بعد الانتصار الباهر لثورة ديسمبر المجيدة وتحطم كل حواجز الخوف والترقب واختفاء خفافيش الليل الى غير رجعة إن شاء الله ، زارنا وفد كبير ورفيع المستوى في مدينة الأبيض العريقة للتحقيق والتقصي ومعرفة مآلات الأحداث التي راح ضحيتها ستة من الشهداء الأبرار وكان بعضهم طلاباً في المدارس الثانوية ، تقبل الله شهادتهم وأنزل شآبيب الرحمة على قبورهم فهم قناديل الثورة التي مهدت الطريق للحرية وكسرت كل القيود للانطلاق في فضاءات الثورة التي سارت بها الركبان مسجلة سفراً جديداً في العطاء والنضال الثوري الحضاري ، وبعد أن تم اللقاءات الرسمية للوفد مع سلطات الولاية ، تكرم أحد أعضاء الوفد بزيارتنا في الموقع الذي كنا فيه كنوع من المجاملة والعلاقات العامة وأداء الواجب ، وجلسنا نستمع له وهو يتعرض ليوميات الثورة السودانية بشيء من التندر والسخرية وذلك ما انعقدت له دهشة الحضور جميعاً ربما لا يصدقون ما يسمعون من ذلك المسؤول الكبير وكان مصدر الدهشة أن الرجل يتكلم عن قيادات العهد البائد بشيء من التبجيل فيقول مثلاً سعادة المشير البشير ، وسعادة الفريق عبدالرحيم محمد حسين ، ولم ينزع عنهما الألقاب وذلك في معرض حديثه عن مناسبة وفاة والدة الرئيس السابق رحمها الله والهرج والمرج الذي صاحب المناسبة من منع الرئيس من تشييع والدته لمثواها الأخير ، وفي سرده يقول (نحن قلنا للسيد / الرئيس ، وسيد عبدالرحيم قال كذا وكذا) وبدأ الرجل يتحدث بذات الخوف الذي يسكنه من الانقاذ والتي لم يصدق أنها ذهبت ولن تعود ، وكانت المصيبة الكبرى أن الرجل قال في تحليله عن الثورة إنها مجرد تطلعات حفنة من اليساريين مع مجموعة من الرجرجة والدهماء والعوام المغرر بهم وما هي إلا أيام قليلة وسوف ينجلي الأمر وتعود الإنقاذ بعد تنظيم صفوفها وترتيب أولوياتها أكثر قوة ومنعة وسوف تعمل كعهدها على تنظيف الشارع من هذه الشرذمة التي تمردت على إجماع أهل السودان على ثوابت التوجه الحضاري وقادته بدءاً من السيد الرئيس وبطانته الصالحة من الأيدي المتوضئة ، مستشهداً بأن للإنقاذ تجارب ثرة في أجلاء هذه المواقف وطرد قادتها شر طردة . السيد رئيس الوزراء ،هذا النموذج الذي سردنا حكايته عن الثورة قريب جداً من مجلسك وهو بهذا الفكر المعادي للثورة ، وهو بقدرات متواضعة يمكن أن تجدها في سوق الشمس (وكناتين الأحياء) هؤلاء وأمثالهم ممن تسربوا للمناصب تبقى علاقتهم بالثورة ما درت معائشهم وإلا فالفراق .