المعارك الصحفية ظاهرة انتظمت الصحافة العربية منذ فجر ميلادها وتعتبر من الوسائل التي أغنت النقد الأدبي في العصر الحديث بمادة جيدة اسهمت في تطوره، هذا هو الجانب الحلو منها، أما الجانب الآخر فيؤخذ عليها كونها ارسلت قواعد للفجور في الخصومة واستخدام اسلوب انتقاص الآخر مع رفع مقام الذات وهذا سلوك انساني يشبه العوام أكثر من شبهه للخواص من قيادات الأدب والفكر والرأي. أستاذنا الدكتور فاروق الطيب _ رحمه الله_ حينما كان يحدثنا عن مصطفي صادق الرافعي كان يتحدث عنه باعجاب وأسف فيثني علي علمه وملكاته وعصاميته ثم (يلكن) الأمر بقوله:( كان جارحا يناقش المسألة أحسن ما يكون النقد ثم يعقب ذلك الشتم والسباب). وأنا وإن استشهدت بقول أستاذي إلا أني التمس للرافعي عذرا فقد كان حامل راية الأدب الملتزم في وسط جله يدعو للتوجه غربا مثل طه حسين والعقاد وغيرهم من رواد المدرسة الأدبية النقدية الحديثة، هذا من باب مناصرة منهجه لا اسلوبه. المعارك الصحفية _عندنا فى السودان_ ميدانها الأساسي والأكثر ذيوعا هو السياسة لا الأدب ، ولذلك جاءت عنيفة وتخلو من روح الامتاع الا ما كان من لغة حادة تعجب بعض الذين يحبون المنتصر فيما لا يهمهم الميدان رياضيا أم فكريا أم سياسيا ولا اللغة أو الاسلوب أو ربما الذين يتتبعون عورات الناس، وخطاب هؤلاء يسهم فى توزيع الصحيفة لكنه لا يرتقي بفكر أو ثقافة أو ذوق القارئ وغيره مما هو من واجبات وأساسيات رسالة الصحافة، ولأن كل تعميم خطأ نقول: إلا من رحم ربي وقليل ماهم! القارئ حينما يتابع هذه المعارك والتي تنطلق من الاساءات الشخصية التي تصل مرحلة الاتهام أو التشكيك في السلوك والأخلاق ويصل (رائشها) حتى الأسر في بيوتها، حينما يتابع ذلك قد يصل إلى أن المجتمع الصحفي مجتمع لا يستحق الاحترام بينما الواقع يقول: ِإنه مجتمع المحترمين من قيادات الرأي والثقافة والآداب والفنون. الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية والذي لا يسئ للآخر بالدرجة التي تقطع حبل الود(الكان زمان موصول) ، اختلاف مطلوب ومحمود،والنقد الموضوعي الذي لا يتعرض لهدم الآخر و(رشه ) بالكيمائي من أول طلقة في المعركة، نقد مطلوب ،لكن ما سوي ذلك فمحتاج منا لوقفة ومراجعة تحفظ أواصر الصلات في مجتمعنا المتماسك اجتماعيا الذي لا يشكل الاختلاف السياسي فيه عامل فرقة مالم يأت بما يوقر الصدور ويجرح الكرامة مما يدخل ضمن جرح اللسان الذي لايبرأ بينما يبرأ نظيره جرح السنان! ياصديقي: لم أغفل نصحك بأن لا أدخل في هذا الموضوع لأنه _ كما قلت_ (الحجاز ليه عكاز) وأقول: ماله فلندخل من هذا الباب ويرد علينا من يرد وبما ينضح به اناءه لنقدم أنموذج النقد الذى ندعو له ويكون لنا شرف نقطة النظام المصححة للمسار وسط أقوام نحترمهم وتربطنا بهم صلات طيبة ونحن جزء منهم ونحمل ذات أداتهم التعبيرية والتغييرية، أم أنك تخشي أن أرد بطريقة الرافعي علي طه حسين التى تقول قصتها: حينما نشر الرافعي كتابه ( السحاب الأحمر) كتب طه حسين :( قرأت كتاب الله وفهمته وقرأت السحاب الأحمر فلم أفهم شيئا ، ويبدو أن الرافعي عانى في كتابه آلام الولادة)، فرد الرافعي:(الشك كل الشك أنك لم تفهم كتاب الله ولم تفهم الشعر العربى ، وقد كتبت السحاب الأحمر في شهرين فاكتب مثله في عامين فان جاءك ألم المخاض فعلي ِأجر القابلة لا ، اطمئن فلليراع فضاءات هي مساحة حركة تفرق بين الأدب وقلته)!