عاصفة من الجدل أثارها الحديث مجددا عن رفع الدعم، وسط تخوفات من مختلف القطاعات الاقتصادية والمواطنين من انعكاس رفع الدعم بشكل كارثي على كافة اسعار السلع الضرورية والخدمات، بعد أن أعلن وزير الطاقة بصدور قرار تحرير اسعار البنزين والجازولين رسميا منذ فترة دون أن يتم تحديد اسعار نهائية حتى الآن. وزير الطاقة والتعدين المكلف خيري عبد الرحمن أقر في تصريحات صحفية السبت بصدور قرار تحرير اسعار البنزين والجازولين، لكنه قطع بعدم تحديد اسعار نهائية إلى الآن للجازولين والبنزين بعد التحرير، موضحا بأن قرار التحرير صدر منذ فترة طويلة وأعلنه رسميا رئيس مجلس الوزراء في لقاء عام وفي مقابلة تلفزيونية، واردف: "وهو ليس تسريبات"، لافتا إلى الترتيبات الجارية لتنفيذ سياسة تحرير اسعار منتجي الجازاويل والبنزين. وقال أن القرار كان ينتظر الترتيبات التي قامت بها وزارة الطاقة والتعدين ابتداءً من حصر وتأهيل الشركات التي ستدخل في عملية الاستيراد والبيع، وكذلك إعداد وفتح العطاءات العالمية للمنافسة الحرة والشفافة. تحذيرات: "لم نتلقَّ حتى الآن خطابا رسميا بتحديد أسعار الجازولين والبنزين بعد التحرير"، هذا ما قاله رئيس غرف النقل بولاية الخرطوم الشاذلي الضواها، محذرا من انعكاس القرار بصورة كارثية على قطاع النقل والمواصلات وتحويل حياة المواطنين إلى جحيم بارتفاع أسعار المواصلات وتكلفة كافة السلع الضرورية، منوها إلى أن الجازولين والبنزين حاليا يكادان يكونان معدومين في محطات الخدمة، متوقعا أن ينعكس تحرير الوقود بما لا يقل عن 15 ضعفا، وأضاف: "هناك محطات لم يتم تزويدها بالوقود منذ فترة"، وقال أن المشكلة حاليا هي عدم توفر الوقود سواء كان مرتفعا أم منخفض السعر. تهديد معاش: وتابع الضواها: "إن من أهم واجبات الدولة أن تبقي على الدعم للمواطنين خاصة أن القرار يهدد معاش الناس بارتفاع تكلفة السلع والخدمات وترحيل البضائع". مردفا أن رفع الدعم سيؤدي إلى توقف الحياة في السودان. وشدد الضواها على ضرورة مراجعة الحكومة لقرار رفع الدعم. وأضاف: "من حق المواطن على الدولة أن تقف معه وليس ضده"، داعيا وزارة الطاقة والتعدين إلى التحلي بالشجاعة ومخاطبة الرأي العام بمسألة رفع الدعم عن الوقود، منوها إلى أن الطريقة الحالية في التعاطي مع تلك المسألة أشبه بطريقة النظام المعزول. رفض مستمر: عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله قال في حديثه ل (السوداني) إن موقف قوى الحرية والتغيير لايزال رافضا لمسألة رفع الدعم عن الوقود، خاصة أنه لا يعبر عن تطلعات القاعدة؛ التي فجرت ثورة ديسمبر؛ وتأمل أن تكون حكومة الثورة معبره عن مصالح تلك القاعدة. لافتا إلى أهمية الاستناد إلى مرجعية المؤتمر الاقتصادي ومقرررات اللجنة المشتركة ما بين قوى الحرية والتغيير ووزارات القطاع الاقتصادي، مؤكدا ضرورة وجود طريق لإيجاد حل للتشوه الذي يعاني منه الاقتصاد السوداني؛ وعجز الموازنة والذي سببه حسب الاقتصاد كعلم استمرار تدني قيمة الجنيه، وهو ما أوجد ظاهرة فروقات السلع الأساسية، مشيرا إلى أنه بذلك التعريف ليس هناك دعم للوقود حتى تلجأ الحكومة لرفعه، مردفا أن القاعدة الأساسية أن الدولة السودانية حسب الواقع لديها وظيفة اجتماعية تؤديها، وقال من المفترض أن يكون هناك دعم حقيقي للسلع الأساسية والخدمات الضرورية خاصة وأن السودان يعد أقل الدول دعما للسلع فى المحيط العربي والافريقي، مؤكدا أن المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد مؤخرا لم يتبنَّ في أي من جلساته رفع الدعم. مضيفا: "على الجهاز التنفيذي أن يحتكم إلى المؤتمر الاقتصادي وما تتوصل له اللجنة المشتركة ما بين وزراء القطاع الاقتصادي والضرائب والجمارك وبنك السودان المركزي وقوى الحرية والتغيير". عجز الموازنة: ومضى خلف الله قائلا: "إن رفع الدعم لا يقدم حلا لعجز الموازنة ومشكلة النقد الأجنبي، وإنما سيؤدي إلى زيادة رأسية لمختلف السلع والخدمات، كما يجعلها خارج متناول معظم الشعب ويزيد الفقراء فقرا، إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة وتراجع المنافسة للسلع السودانية في الخارج"، واشار إلى أن أهم المفارقات ترى وزارة المالية أن أحد دواعي رفع الدعم سد عجز الموازنة، لافتا إلى أن اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية قدمت عددا من البدائل خفضت الدعم ل 6 مليارات؛ وهو في حدود السيطرة عليه، وقال إن رفع الدعم اضافة لمعاناة المواطنين يزيد من عجز الموازنة؛ خاصة أن الحكومة أكبر مستهلك للوقود. التزامات مقدسة: وتابع: "إن إصرار الحكومة على رفع الدعم ينبع من التزاماتها مع مؤسسات التمويل الدولية التي تضعها في طابع القداسة"، مضيفا: "نحن لانزال نتطلع أن تستجيب الحكومة لمرجعية المؤتمر الاقتصادي واللجنة المشتركة، وإلا لا طائل من تكوين اللجنة حال إصرار الحكومة على رفع الدعم". ضبط الاستهلاك: ويرى الخبير في مجال الطاقة إسحاق بشير جماع في حديثه ل (السوداني) أهمية رفع الدعم خاصة أن الحكومة لا تملك الأموال الكافية لاستيراد الوقود، لا سيما أن أكثر من 60% من الوقود يتم استيراده من الخارج. وقال إن الاستمرار في الدعم يزيد من الدين الداخلي والعجز في الميزان التجاري، لافتا إلى أن مؤسسات التمويل الدولية لا يمكنها تقديم دعم للسودان في ظل دعمه للاستهلاك. مضيفا أن استهلاك الوقود في السودان تنامى بشكل كبير حتى وصل ما نسبته 14% خلال العام 2019م ممقارنة بالعام قبل الماضي، مشددا على ضرورة ضبط الاستهلاك، منوها إلى أنه بالرغم من مشكلات تبعات رفع الدعم على القطاعات الاقتصادية والمواطنين لكن لابد من اللجوء إلى تلك الخطوة مع وضع المعالجات اللازمة للفئات الضعيفة فى المجتمع. رفض شعبي: وأبدى عدد من المواطنين وأصحاب المركبات الذين استطلعتهم (السوداني) رفضهم لرفع الدعم، مشيرين إلى انعكاسه على حياتهم بشكل كارثي؛ خاصة مع الارتفاع المستمر في كافة اسعار السلع الضرورية ونقص الدخل. المواطن خالد صلاح أشار إلى أن رفع الدعم يعني توقف الحياة بشكل كامل في السودان. وأضاف أن الكثير من المواطنين لم تعد أوضاعهم تسمح لهم التنقل بالمواصلات وتوفير متطلبات المعيشة اليومية. وقال أحد أصحاب المركبات التوم صديق ل (السوداني) إن رفع الدعم سيهدد عملنا ولا يمكن أن تحمِّل الحكومة المواطن الأعباء في كل مرة، مضيفا أنهم يمضون ساعات طويلة في محطات الوقود دون أن يحصلوا على الوقود.