المذيعة(م.س) وقفت أمام المرآة تحدث نفسها بأنها اليوم ستستضيف ضيفاً ثقيلاً على قلبها برغم وسامته المعروفة، إلا أنها بحكم المهنية يجب أن تترك انطباعاتها بعيداً عن انفعالاتها تجاه عملها.. واتخذت خطواتها بسرعة نحو الاستوديو لتتفاجأ بالضيف يحضر مبكراً ويطالب بأن يلتقيها قبل الدخول للقاء، بالفعل وافقت (م.س) على مضض.. لحظات وكان الضيف يلتقي بالمذيعة اللامعة وقبل أن تستفسره، فاجأها بطلب يدها للزواج لتتحول بعد خمس دقائق فقط نقمتها عليه إلى إحساس إيجابي لم تفهم سره إلا بعد انتهاء اللقاء التلفزيوني الذي انتقده الجمهور بحكم كثرة تبسم المذيعة وضحكاتها غير المبررة وفرحها الزائد عن اللزوم.. مواقف وتصريحات في مرمى النقد الانتقادات الموجهة ل(م.س) لم تكن استثناء من موجة انتقادات وشجب وربما إدانة لمعظم الشاشات السودانية، سواء بسبب تصرفات عفوية أو حتى طريفة تبدر من مراسليها ومذيعيها ومقدميها أو بسبب المضمون المقدم نفسه على الشاشة، لتكون مفردة(الضعف) هو التوصيف الأبرز في تقييم المهتمين في حديثهم عن الشاشات السودانية.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ثمة هجوم ونقد وجه لأحد البرامج التي بثت في عيد الفطر المبارك، حيث استفزت المذيعة أو المقدمة (ت.ش) الفنانة(أ.م) ما دفع الأخيرة للرد عليها بعبارات لا تتماشى والذوق العام. وإن كان رد الفنانة لا يخدش الحياء العام بحسب البعض، إلا أنه تسبب في انتقاد مقدمة البرنامج بعدم الرقابة وغياب التخصصية المتمثل في المذيعة، معتبرين أن واجبها دراسة الضيف قبل محاورته ومعرفة سعة صدرة ومدى استيعابه للأسئلة ومدى مراعاته للقيم الاجتماعية. فيما يرى البعض أن ملف الشاشات السودانية ومن يعملون فيها وما يقدم ملف عنوانه(خربانة من كبارها)موجهين سهام نقدهم صوب المنظومة الإعلامية ووزارتها باعتبارها المسؤول الأول في ظل غياب الجهات التنظيمية البرامجية. نشطاء ومتابعون على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا ظهور الفنان(س) على إحدى القنوات متحدثاً عن تغيير لون بشرته بأخذه حقن تبيض ب(ستة ألف دولار) منوهين إلى أن الثورة لا تدعو للحرية المطلقة، وإنما تدعم الحرية والوسطية مع مراعاة القيم الاجتماعية، وأن ما يحدث على الشاشات أسلوب دخيل يتنافى مع ثقافة بلد بهامة السودان وله تاريخ عريق .. بيد أن أطرف المواقف التي شهدت انتقاداً كثيفاً من المشاهدين في السودان ما ردت به مذيعة تم استفزازها على الهواء من أحد المتصلين وإبداء رأيه في سياق موضوعي، لتخرج عن طورها وترد بأسلوب (سوقي) يتنافى مع أخلاقيات المهنة التي تفرض مراعاة الذوق العام وضبط الانفعال، باعتبار ان ضعف المقدم او المذيع ينسحب على المادة المعروضة. ولعل من أطرف المواقف لمقدمين برامج تلك التي وثقها الكاتب الصحفي والملحق الإعلامي السابق بلندن مصطفى عبد العزيز البطل في زاويته المعروفة(غربا باتجاه الشرق) في سبتمبر2014م، فاورد أسباب إيقاف مذيعة، أنها قالت على الهواء أثناء احتفال لمنظمة الشهيد الزبير- بحسب تسميتها إبان النظام البائد-"ومن هنا نبعث بتحايانا للشهيد الزبير محمد صالح". ليتم إيقافها من القناة في ظل سخرية الكثيرين (هل يمكن القاء التحية في مثل هذا الموقف؟) بيد أن أطرف ما وثقه البطل هو إيقاف إحدى المذيعات لأنها قالت خلال برنامج تفاعلي: "الحمد لله إن رمضان انتهى بخيره وشره"! خطاب النميري مواقف المذيعين ومقدمي البرامج التي تتسبب في الكثير من الجدل لم تكن حكراً على الجيل الحالي، ويورد البطل أنه في العام 1981م كان تلفزيون أم درمان هو القناة الوحيدة، وأضاف: كان المسلسل العربي اليومي جزءاً من حياة قطاعات عريضة من سكان المدن، ينتظرونه كل مساء بشغف زائد. وذات مساء في ذاك العام 1981 ونظام المشير جعفر نميري في أوج عنفوانه – أزف وقت المسلسل، فالتف الملايين حول أجهزة التلفاز ليشاهدوه، لكن المذيع ظهر ليفاجئ المشاهدين بقوله: "أنتم ولا شك في شوق شديد إلى المسلسل، تنتظرونه بفارغ الصبر. ولكن هيهات، فللسيد الرئيس القائد نميري خطاب ألقاه صباح اليوم، وسنقدم لكم خطاب الرئيس بدلاً عن المسلسل هذه الليلة"! ليكون مصير المذيع(حدث ما حدث) كما تقول الطرفة السائدة الآن. البحث في الأسباب القنوات السودانية ببرامجها ما تزال تُنتقد وتُلاحظ من قِبل المشاهد خصوصاً في ظل الحظر المفروض على البلاد ما جعل الكثيرين يقلبون الريموت كنترول بحثاً عن التسلية والجاذبية.. لتبرزالانتقادات بشكل أكثر حدة بافتقار القنوات والشاشات السودانية للتجديد والابتكار والمواكبة، ولم يسلم من النقد والهجوم المذيعين والمخرجين والديكور والصوت، لتنجح في المقابل القنوات الأجنبية بمختلف أجناسها في جذب الجمهور السوداني عن دائرة المحلية. فما هي مبررات هذا الضعف؟ معدة البرامج في قناة المعرفة والتغيير سناء الباقر تذهب في حديثها إلى أن إعداد البرامج بشكل جدير بالمشاهد يحتاج إلى مجموعة عوامل أهمها العمل كفريق لإنجاز العمل نفسه، مشيرة إلى أن الفريق يتكون من المعد والمخرج والمذيع والمصور ومهندس الصوت وحتى المونتير، وأضافت: لا يمكننا وضع اللائمة على المذيع او المعد. موضحة أن الفريق يكتمل أيضاً بمشاركة مدراء البرامج أحياناً ومالك القناة لحذف أو إضافة واختيار الضيوف والمواضيع فالمسؤولية تكاملية. مدير إدارة الشؤون السياسية والأخبار في التلفزيون ماهر أبو الجوخ يرى في حديثه أن أزمة الشاشات السودانية ومحتواها تكمن في كيفية تطوير عملية المحتوى وتجديد الرؤى وتدريب وتأهيل الكادر البشري وتجديد الدماء واستيعاب أفكار جديدة، معتبراً أن ضعف المحتوى وظهور المذيع المرتبك وضعف التفاعل نتاج لخلل العملية الإنتاجية ومنهج اختيار المذيع ومقدم البرامج والاعتماد على الشكل أكثر من المراهنة على الفهم والثقافة، منوهاً إلى أن كل ذلك عمق الأزمة. تشخيص الأزمة وتحليلها لدى سناء الباقر جاء مكملاً لحديث أبو الجوخ، وترى سناء أن ثمة عوامل أخرى تسهم في مدى ضعف أو قوة البرنامج، منوهة إلى أنه أحياناً يتم فرض مذيع غير كفء على المنتج لتقديم برنامج لا يتَماشى مع قدراته، ويستند فقط على قربه من متخذي القرار. الصحفي والإعلامي شوقي عبد العظيم لخص أسباب تدهور الشاشات السودانية ومضمونها، في عدم تأهيل الكوادر العاملة مما يبعدهم عن مواكبة عصر (الديجيتال) والحداثة، وأضاف: كما أن الكثير من القنوات تفتقد لتدريب العاملين وربطهم بالتطورات وسوق العمل. للأموال حظوظ سناء لم تغفل عاملاً مهماً كما يرى الكثيرون وهو العامل الاقتصادي وترى أنه اقتصادي يضطر المالك أو مدير القناة لاختيار كفاءات أقل براوتب زهيدة، بحكم التكلفة المادية من إيجار القمر التي تتزايد سنوياً، أو المقر أو تجهيزات الاستوديوهات، وأضافت: ينعكس ذلك سلباً على الأداء العام للقناة، مطالبة الجهات المختصة بمعالجة هذا الضعف البائن في الفضائيات السودانية، فضلاً عن وضع معايير وضوابط ملزمة لا يسمح بتجاوزها. شوقي بدأ مراهناً بشكل أكبر على العامل الاقتصادي باعتباره سبباً يحجم التقدم والمواكبة، وأضاف: العامل المادي ساهم في اعتماد البرامج على الإعلانات التي بدورها تتوقف على قوة وجذب المادة أو فكرة البرنامج ليتم الموازنة بين الدخل والأجور . فيما يرى أبو الجوخ أن الأوضاع الاقتصادية قادت لأمرين تقليص حجم الميزانيات المخصصة لتطوير البرامج في الشكل والمحتوى فضلاً على إنها جعلت الخيار المتاح للعاملين في مجال الإنتاج البرامجي هو البحث عن دوام ثانٍ في قناة أخرى ترتب عليه تكرار الأفكار والعجز عن التطوير والابتكار بسبب الإرهاق وضغط الزمن بين الدوامين. (الفلول) في المشهد تحديات جمة واجهت القنوات بعد الثورة ودحر النظام البائد وما تبعه من تمدد مساحات الحريات ليست على المحتوى فقط وإنما حتى مسلمات الزي والمظهر التي كانت تفرضها ومن الواضح أن جُل القنوات لم تكن مستعدة لاستقبال هذا التحول السريع لهذا المضمار وجدت نفسها كمن قفز إلى البحر دون سابق معرفة للسباحة. كما أكد أبو الجوخ ضرورة توجه القنوات صوب التخصصية باعتبار أن منهج النظام السابق ما عاد مجدياً بداية بالأخبار والبرامج السياسية مع ضرورة تخصيص قنوات أخرى معنية بقطاعات أخرى كالشباب، فهذه التخصصية تنهي حالة (سمك لبن تمر هندي) التي تلبست عمل بعض القنوات مؤخراً التي انتقلت من المنوعات والرياضة والدين لتصبح قنوات شاملة فلا حققت ذلك الشمول ولا تميزت بشكلها التخصصي المعبر عنها.