لم يكن مجرد شيخ حافظ للقرآن وعلومه ولا معلماً ومربياً لمن نهلوا من معين علمه فقط، بل كان يحمله بين ضلوعه خشوعاً ويقيناً ومنهجاً لحياته ومعلماً لأصوله بكل يسر ولين ودموع لطالما تبلل بها وجهه وهو يرتل القرآن في خشوع عجيب. الخبر الفاجعة كان وقع خبر وفاته بمثابة فاجعة أدمت وأوجعت قلوب الكثيرين من مستمعيه قبل أهله ومحبيه، بعضهم لم يصدق الخبر الفاجعة من بينهم صديقه الشيخ والداعية محمد عثمان الذي سارع للاتصال على هاتفه الشخصي بمجرد سماعه الخبر لياتيه الرد اليقين بأن شيخ نورين توفي قبل قليل. رحلة دعوية بالشمالية ظل حاملا للقرآن مدرساً ومعلماً له وظل يؤم به كل من اصطف خلفه مصلياً بصوت رخيم ومبكٍ وظل يجوب به كل مكان تيسر له الذهاب إليه معلماً له حتى فاضت روحه لبارئها وهو في طريق عودته من إحدى جولاته الدعوية بالولاية الشمالية مع عدد من رفاقه من حفظة القرآن الكريم في ذلك الحادث المروري أثناء عودتهم إلى الخرطوم ليتوفى هو ويلحق به رفاقه وهم الشيخ علي القوني ومهند الكناني وأحمد يعقوب. حشود المشرحة احتشد المئات من أهالي وأصدقاء ومحبي المتوفين في حوادث أمدرمان بمجرد تلقيهم الخبر الأليم وقلوبهم يعتصرها الألم واعينهم ممتلئة بالدموع، بعدها تم نقل الجثامين الي المشرحة بعد أن تأكد وفاة أربعتهم لينزل الخبر كالصاعقة على الجميع. تشييع مهيب منظر توافد المصلين في ميدان الخليفة بأمدرمان أثناء الصلاة على الجنائز كان مهيباً قبل أن تزداد تلك الوفود أعداد مضاعفة متجهة لمقابر حمد النيل لمواراة الجثامين الثرى وسط أصوات التكبير والتهليل ودموع المشيعين الذين خارت قوى البعض منهم من هول الفاجعة. النعي الأليم منذ انتشار خبر الوفاة ضجت كل وسائل التواصل ناعية شيخ نورين مقرئ القرآن الشهير، فيما تداول الكثيرون فيديوهات ومقاطع له أثناء تلاوته للقرآن وتارة أخرى وهو يؤم المصلين وصور له مختلفة مع طلاب الخلاوي. فيما عبر الغالبية منهم عن مدى وقع الخبر على قلوبهم فبدأوا بإبراز محاسنه وطيب خلقه وجميل أخلاقه. نعي برهان ومفرح من جانبه نعاهم رئيس المجلس السيادي الفريق ازل عبدالفتاح البرهان ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح الشيخ نورين محمد صديق وبقية المتوفين بقوله: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ).إن الحياة لتقسو ولكن أشد قسوتها على النفس حينما تفجعك بوفاة من واشجاها بعذب أصدق الحديث تلاوةً وترتيلاً. فجعتُ مساء يوم الجمعة برحيل أحد أشهر قارئ قرآن بالسودان وتالياً له إنه الشيخ نورين محمد صديق حافظ كتاب الله الذي حدثت وفاته مع نفر كريم من رفاقه الحفظة قادمين من الولاية الشمالية في رحلة دعوية اجتماعية. وإني إذ أنعاهم ولا أزكيهم على الله فإن الله قد زادهم تشريفاً، فكرّمهم، وخصّهم بكلامه إجلالاً وتشريفاً، وما من صدور تحوي كلام الله إلا وتشرفت بأنها من صدور أهل العلم، قال سبحانه: ﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49]، اسأل الله لهم المغفرة والرحمة ولنا ولذويهم الصبر وحسن العزاء و ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .