الصحافة الورقية في العالم تعاني من تراجع دورها إلى درجة الانهيار والاندثار، فقد أعلنت كبريات الصحف في العالم وقف طبعاتها الورقية والتحول إلى صحف إلكترونية، تماشياً مع التطورات التقنية التي تتيح للملتقى تلقى الخبر في وقته، كما أن بعض الصحف أغلقت دورها وسرحت عامليها بسبب ضعف مبيعات النسخ الورقية. قد وجهت جائحة (كورونا) ضربة موجعة للصحافة الورقية، لكن ما قبل الجائحة شهدت الصحافة في السودان تراجعاً مخيفاً في أرقام التوزيع، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر ويهدد استمراريتها. أسباب تراجع الصحافة الورقية في السودان كثيرة، أبرزها الرقابة المفروضة على الصحف، في السابق، من قبل الدولة جعلت الخبر الصحفي يخرج ناقصاً، فمتى ما كشفت الصحافة عن قضايا فساد في أجهزة الدولة تدخلت الاجهزة الامنية مطالبة بإيقاف النشر، مما جعل الصحافة تفقد ثقتها عند قارئها الذي ينتظر منها سبر أغوار ملفات الفساد والمفسدين..إلخ. ومن أسباب التراجع أيضاً اقتصاديات الصحافة_ إرتفاع قيمة ورق الصحف وزيادة تكاليف الطباعة، أدى لزيادة سعر النسخة الورقية، وهذه الزيادة جعلت كثيرين يبتعدون عن قراء الصحف بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد واصبحوا يتصفحونها على مواقع التواصل الاجتماعي. المتابع لحال الصحافة يجد أن كثرة الصحف الصادرة لها دور في التراجع، ففي كل يوم جديد هناك صحيفة تصدر واخرى تستعد للصدور فهذه الكثرة أسمهت في ترنح الصحافة، فقد اقترح البعض من قبل دمج المؤسسات الصحفية مع بعضها حتى نعبر لبر الأمان. كما أن تمدد المواقع الإلكترونية في الفضاء الحر ونقل الخبر في وقته للملتقى عبر الوسائط الحديثة أسهم في إضعاف الصحافة الورقية، وإن كانت الإلكترونية لا تخضع لرقابة تحريرية وتمارس الشتل أحياناً. فالأسباب كثيرة ومتعددة وتراجع الصحافة وتوقفها يعني الأجيال الصحفية القادمة لن تجد صحف تكتب فيها وأن كليات الإعلام في الجامعات سوف توقف دراسة تخصص (صحافة). تراجع الصحافة له تأثير كبير على الصحفيين والعاملين بالصحف لأن هذه الشريحة سوف تصبح بلا عمل في ظل التراجع المخيف، كما أن إيقاف الصحف عن الصدور يعني إفقار العقول. نحتاج لعقد الكثير من الورش لإيجاد حلول تخرج الصحافة من الأزمة التي تمر بها، فالحلول موجودة دائماً فقط لو توافرت الإرادة والإدارة لإيجاد حلول استباقية قبل أن تعلو الجذوة من باطن الرماد ويمتد لهيبها في سرعة لا يستطيع أحد ملاحقتها. الصحافة السودانية تحتاج لوقفة ودعم من الدولة حتى تواصل وتمضي إلى الأمام ونخاف أن نصبح يوماً ولا نجد صحافة نقرأها كما قال أستاذنا عادل الباز.