كان مفهوما أن يحترم السودان رغبة آبي أحمد في عدم تدخل السودان في شؤون بلاده .. حين بدأ مواجهته المسلحة مع جبهة التقراي .. باعتبار ذلك شأنا داخليا .. كما قال حينها .. ولكن عبور لاجئ واحد للحدود .. وأن يحط رحاله على الأراضي السودانية .. وأحيانا بكامل أسرته وعتاده .. كان كافيا لأن يرتفع صوت السودان .. بلغة مختلفة .. بصوت مختلف .. بموقف مختلف .. ناهيك عن أن يبلغ عدد هؤلاء العابرين .. بل ويتجاوز الخمسين الفا من اللاجئين ..فالأمر في هذه الحالة تجاوز أن يكون شأنا داخليا كما زعم آبي أحمد .. بل اصبح ذا صلة وثيقة بالشأن السوداني .. ليتجاوز مجرد تدفق ضحايا الحرب عبر حدوده .. إلى مهدد أمني حقيقي .. وفي منطقة تعاني أصلا من هشاشة أمنية .. ومن صراع على الأرض محتدم .. لا بين دولتين .. بل حتى بين مكونات محلية وإثنيات قبلية .. مما يجعلها عمليا .. أي المنطقة .. مرشحة بالفعل للانفجار .. فهل يستقيم عقلا بعد كل هذه الحقائق .. أن الأمر شأن داخلي .. لا شأن للسودان به ..؟ ! وسقطت حجة آبي أحمد .. آبي أحمد الذي فتحت له الخرطوم ابوابها وصدورها .. ليكون وسيطا بين مكوناته السياسية .. رفض ذات الدور من السودان .. بل وهدد بالخروج من إيغاد إن جاءته تحت مظلة السودان .. أو جاء السودان تحت مظلة إيغاد .. فالأمر سيان .. ولكن من المهم هنا .. البحث عن إسياس .. فالذي يحمل معول الهدم ضد إيغاد الآن هو وحده الرئيس الأريتري إسياس افورقي .. وهو ايضا من حذر آبي أحمد من قبول وساطة السودان .. و يشتط البعض في الذهاب إلى أن الحرب الأخيرة نفسها هي حرب إسياس .. معلومات متسربة تؤكد مثلا أن القوات الإثيوبية القادمة من الجنوب .. قد دخلت ميكللي .. عاصمة اقليم التقراي .. من الشمال ..! أي من الكوريدور الذي فتحه لها إسياس ..عبر طريق زالمبي .. و لسبب من هذا ايضا يعتقد هذا البعض أن معركة التقراي الحقيقية القادمة قد تكون شمالا لا جنوبا .. وللتأكيد على ذلك .. فمنتصف الأسبوع الماضي كانت وكالة رويترز توزع خبرا .. تلمح فيه إلى وجود دور اريتري هناك .. قبل أن تعود رويترز ذاتها .. نهاية الإسبوع لتنقل .. صراحة .. عن مسئول فى الخارجية الأمريكية .. قناعتهم بوجود قوات إريترية فى إقليم التقراي المتاخم لها ..! إذن .. هذا يعني أن اسياس افورقي خائض فى الوحل الإثيوبي حتي أرنبة أنفه .. فماذا عن السودان ..؟ وما الذي جعل لأسياس افورقي كل هذا الدور .. وحجب عن السودان .. حتي دور الوسيط .. ؟ وهل حقا هو غير معني بالأزمة ..؟ كما أوعز افورقي لآبي أحمد ..؟ والآن .. دعك من آلاف اللاجئين .. ومن الصراع المشتعل هناك .. ومن المضاعفات الأمنية و الاقتصادية والاجتماعية المحتملة وتداعياتها على المنطقة .. دعك من كل هذا .. فما أريد أن أحدثكم عنه قصة أخرى .. اكثر بعدا واعمق تأثيرا .. ولو أن آبي أحمد فكر مليا .. لكان قد أدرك أن وساطة السودان .. أجدى من حرب إسياس ..! قبل نحو عشر سنوات .. وتحديدا في يونيو من العام 2011 أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء قوة أممية لحفظ الأمن فى منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان .. أما ما هي العلاقة بين تلك القوة الأممية .. وبين ما يدور في إثيوبيا الآن .. فنحدثكم عنها غدا ..!.