حواره بالدويم: ياسر الكُردي عندما تطأُ قدمك بوَّابة (بيت التراث) ببخت الرضا؛ وهو قسم خاص بالتراث والتوثيق، فلا مُحالةَ أنَّك ستسترجعُ ذكرياتٌ خالدات ببداية حياتك التعليمية بدءاً بموقعك داخل (سنة أُولى إبتدائي) ومروراً ب (كتابي الأول) ودروسه العالقة بالأذهان (أنا ولد البلد) و(أمل كتبت الدرس).. مئات الكُتُب منذ بداية ثلاثينيات القرن الماضي وجدُتها (مرصوصة) بعناية على ترابيز (كلاسيكية) تحكي عراقة المكان وتبدأ بمقررات أولى ابتدائي حتى ثالثة ثانوي.. وهذا ما حتَّم عليّ أن أجلس مع دكتور معاوية السر قشي، مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي (السابق)، لكيما أدير معه الحوار التالي: *فكرة قيام معهد بخت الرضا، من أين نبعت؟ – نبعت في العام 1934م بناءً على إحدى توصيات لجنة ونتر والتي عُيِنت في أعقاب الازمة الاقتصادية العالمية ما أدَّى إلى إعادة النظر في سياسة التعليم والاستغناء عن خدمات كثير من موظفي الحكومة. *بماذا أوصت اللجنة على وجه التحديد؟ التوصية وجَّهت بقيام مركز لتدريب المعلمين في منطقة ريفية وبعد بحث مُضنٍ وقع الاختيار على مكان يقع شمالي مدينة الدويم على النيل الابيض عرف فيما بعد ب (بخت الرضا). *ما السر في اختيار الدويم تحديداً لقيام المعهد؟ الاختيار جاء لعدة اسباب أهمها موقع مدينة الدويم في وسط السودان وهي وسط ريفي يمثل معظم المناطق الريفية. *ولماذا تم التركيز على الريف وليس الحضر؟ الغرض من اختيار الريف هو تدريب معلمين يصلحون للعمل في بلادٍ معظمها من القُرى والأرياف. *طيِّب ما هي المهام الأساسية التي من أجلها قام المعهد؟ تتلخَّض مهام بخت الرضا في أربعة اهداف هي: تدريب معلمي المدارس الاولية.. وضع مقررات وكتب التلاميذ ومراشد للمعلمين بالمدارس الاولية.. تنظيم دورات تجديدية أثناء الخدمة للمعلمين الذين انخرطوا في سلك قبل قيام بخت الرضا.. وأخيرا ترييف التعليم الأولي بمعنى (وضع المناهج والكتب التي تخدم أغراض الترييف. *ولمن أُوكلت هذه المهمة؟ أُوكلت إلى المستر قريفيث مهمة قيادة المؤسسة الجديدة فأصبح اول عميد لمعهد التربية بخت الرضا. *من هو مستر قريفيث ؟ هو بريطاني قدم إلى السودان عام 1929م وقد كان يعمل بمصلحة المعارف وكلية غردون في مجال تدريب المعلمين، وكذلك عمل بالهند وتأثر بأفكار المهاتما غاندي. *طيب كيف كانت تسير أوضاع تدريب المعلمين قبل بخت الرضا؟ قبل بخت الرضا كانت هنالك مدرسة اسمها (العرفاء) أنشئت عام 1900م كأول كلية لتدريب المعلمين في السودان.. ومستر قريفيث هو من قام بنقلها من الخرطوم إلى بخت الرضا وقد كانت فصولها اربعة وعدد تلاميذها اربعين. *شعار بخت الرضا بشكله المميز إلى ما يرمز؟ هذا الشعارعبارة عن كتاب مفتوح يظهر بداخله وجه لشخص بلونين أبيض وأسود.. أما الابيض يدل على نور ويدل الأسود على الجهل. *هل هنالك تجارب مماثلة لمعهد بخت الرضا بالمحيطين العربي والإفريقي؟ لا، فبخت الرضا يُعتبر أول معهد،على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط، لتدريب المعلمين في المرحلتين الابتدائية والوسطى. *هل كانت فكرة انشاء المعهد (مستوردة) صرفة يقودها مستر قريفيث وحده؟ لا، فقد كان ساعده الأيمن في كل خطوات التأسيس وإنزال الفكرة إلى أرض الواقع، هو الأستاذ عبد الرحمن على طه. وقد أُوكلت له مهمة قيادة العهد بعد الاستقلال مباشرة. *وماذا حدث بعد إنشاء بخت الرضا؟ استمرت التجربة بعد ذلك في تطور مطرد، حيث أنشأ بخت الرضا عددا من المعاهد المماثلة لتدريب المعلمين بالسودان بكلٍ من أم درمان، شندي، الدلنج، كسلا، الفاشر ومريدي؛ وكلها تحت اشراف بخت الرضا. *من خلف (المؤسس) مستر قريفيث؟ مستر قريفيث استمر من عام 1934م حتى 1950م وجاء بعده مستر هودجكن وعمل ببخت الرضا حتى 1955م ثم خلفه الاستاذ عبد الرحمن علي طه. *وهل انحصرت مهمة بخت الرضا في تدريب المعلمين فقطإ لا.. فبعد مهمة تدريب المعلمين أُوكِلت لمعهد بخت الرضا مسؤولية أخرى هي الاشراف على التوجيه الفني ووضع مناهج التعليم الابتدائي والاوسط واستمر بخت الرضا يلعب هذه الادوار المتعددة في خدمة التعليم حتى 1990م. *وماذا حدث بعد عام 90م؟ قامت الدولة ممثلة في حكومة الإنقاذ بإلغاء معاهد تدريب المعلمين واستبدالها بكليات التربية. *وماذا تركت (الإنقاذ) لبخت الرضا؟ تُركت له فقط مهمة اعداد مناهج التعليم العام (اساس وثانوي) وتحوَّل اسمه إلى المركز القومي للمناهج والبحث التربوي وذلك في العام 1996م. *برايك هل كانت تلك الخطوة صائبة؟ بالعكس تماماً، تجربة إلغاء المعاهد كانت ضارة جداً بالتعليم في السودان. *لماذا كانت ضارة؟ لأن مفهوم التدريب يختلف تماما عمَّا تقوم به كليات التربية، ولذا كان الأوجب والأصح بل الأفيد أن تستمر المعاهد مع كل كليات التربية لتقوم تلك المعاهد بدورها الرائد والمهم جداً في عملية التدريب.