وقد صدق حدس الرجُل، فبعد وصول (المغترب) إلى أرض الوطن ب(السلامة)، وتحميل السيارة ب(العفش) توجهوا إلى أقرب محطة وقود بتقاطع عبيد ختم مع المشتل فوجدوا طابوراً تتراصّ به مئات العربات، وقفوا في آخر الصف الذي لا يبعُد كثيراً من حيث خرجوا من صالة الوصول، انتظروا منذ منتصف النهار وعندما لاحت (بشائر) الغروب اقتربوا من (الطلمبة) لكن خاب ظنهم؛ فقد نفد الوقود، شقيق "حيدر" قال له إنَّ ذات (السيناريو) سيتكرر إذا ذهبنا إلى محطة أخرى وبالتالي فالأفضل لنا أن نترك عربتنا بالخرطوم ونستأجر حافلة (قريس) لتقلَّنا إلى قريتنا؛ وهذا ما حدث فعلاً. (طوابير تجتاح الولايات..!!) تشهد ولايات السودان المختلفة هذه الأيام ندرة حادة في المشتقات النفطية البنزين والجازولين والغاز ورصدت (السوداني) عودة اصطفاف المركبات العامة والخاصة بمحطات الوقود بكل من الخرطوم وبحري وأم درمان على مستوى العاصمة وارتفاع أسعارها في السوق الأسود لمبالغ فلكية ناهزت ال(170) جنيهاً. وعلى صعيد الولايات تعاني ولاية الجزيرة من أزمة حادة غير مسبوقة في الوقود، حيث انعدم الجازولين والبنزين بصورة كلية، في وقت بلغ فيه سعر جالون البنزين (100) جنيه، وذلك بعد يوم واحد فقط من الزيادة التي أعلنتها السلطات وارتفاع سعر ترحيل الوقود من ميناء بورتسودان إلى مدينة ود مدني وقد أوصدت محطات الوقود أبوابها أمام أصحاب المركبات لانعدام المشتقات. وتفاقمت الأزمة إثر إعلان مالية ولاية الجزيرة عن تعديل فئات النقل للمواد البترولية من الميناء إلى ودمدني بنسبة 80 ليرتفع ترحيل جالون البنزين إلى جنيهين وستمائة وتسعة قروش (2,609). بينما أصبح سعر ترحيل جالون الجازولين (2,50) (جنيهان وخمسون قرشاً)، وهو ما جعل السلطات ترفع سعر لتر البنزين ل(7,194) جنيهاً للمستهلك، كما رفعت سعر لتر الجازولين ل(5) جنيهات. وتسببت ندرة الجازولين في تعطيل عمليات الحصاد بالقضارف فقفز سعر جالونه ل(350) جنيه، الأمر الذي تسبب في عجز المزارعين عن الإيفاء بالتزامات التمويل للبنوك حال استمرار الأزمة بالولاية. وبرر بعض محدثي (السوداني) الأزمة لإغلاق مصفاة الخرطوم للصيانة الدورية مما أحدث شُحَّاً في المشتقات، فيما برأ آخرون إغلاق المصفاة من المشكلة وعزوها لتباطؤ بنك السودان المركزي في إصدار خطابات الضمان اللازمة للاستيراد لسد الفجوة بسبب مشكلة تحجيم السيولة. أصحاب مركبات يبثُّون شكواهم وألمح صاحب المركبة محمد عثمان في محطة وقود بأم درمان لوجود مافيا في الوقود، واصفاً ل(السوداني) الأزمة بغير الطبيعية، وقال إنه يبحث عن الجازولين في عدة محطات وقود بأمدرمان وبحري ووجده أخيراً في السوق الأسود ببحري بمبلغ مضاعف (170) جنيه للصفيحة عبوة (4) جوالين، مضيفاً أن هنالك بعض عمال الطلمبات لا يقومون بتعبئة التناكر للمركبات إلا بعد سداد دفع عمولة (10) جنيهات، ويتعللون لمن يرفض السداد بعدم وجود الجازولين. وتحدث أصحاب مركبات التقتهم (السوداني) بطلمبة النيل ببحري، مشيرين لمكوثهم في محطة الوقود لأكثر من ساعة للحصول على حصصهم من الوقود (12) جالون وقالوا إن هنالك إشكالية في الجاز والعاملين بالطلمبات يتماطلون في تعبئة تناكرالمركبات. وأضاف صاحب المركبة محمد علي الحلو أن أزمة الوقود أحدثت مشكلة في المواصلات لتأخر المركبات بالمحطات، وقال وإن سوء توزيع الجازولين بالطلمبات أثَّر على وفرته. وأكدت وزارة النفط والغاز سعيها الجاد والمحكم لتوفير الوقود وانسيابه بصورة طبيعية، كاشفة عبر بيانها عن المتابعة المستمرة على مدار الساعة لحركة الوقود المستورد والمنتج محلياً من خلال رسم الخطط لجدولة الاستيراد، مروراً بوصوله للميناء، وانتهاءًا بتوزيعه على الولايات. مؤكداً توقف عدد من البواخر المحملة بالوقود الآن بميناء بورتسودان في انتظار عمليات التفريغ، داعياً المواطنين لتفويت الفرصة على ضعاف النفوس الذين يتلاعبون بالوقود موضحاً أن وزارته تعمل على تنسيق محكم مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني والولايات لضبط المخالفين والمهربين للوقود وردعهم. الطلمبات تشرح الحاصل وأكد بعض العاملين بمحطات الوقود بحلة كوكو والخرطوم وبحري ل(السوداني) حدوث الندرة في الوقود خاصة الجازولين بسبب الاستهلاك العالي. وقال مدير طلمبة النيل بحلة كوكو ياسر عوض ل(السوداني) إن حصتهم اليومية من الجازولين تصل ل (5) آلاف جالون، أما البنزين (3) آلاف جالون. وقال إنها لا تكفي وطالب بزيادة الحصة، وقال "الاستهلاك عالٍ"، موضحاً أن إغلاق مصفاة الخرطوم للصيانة ليست بالمسألة الجديدة ورغم ذلك فإن الأزمة تتكرر سنوياً، وتساءل: "عالمياً أسعار النفط منخفضة مقارنة بأسعارها في السودان"، موضحاً أن الكمية المستوردة طفيفة ولن تكفي الاستهلاك. وقال موظف بطلمبة النيل ببحري إن شح الكمية بالمستودع تنعكس على توزيعها بالمحطات، مشيراً إلى أن أغلب المحطات مغلقة بسبب عدم وفرة الجازولين لذلك يحدث اصطفاف للمركبات ببعض المحطات التي يتوفر لديها، نافياً حدوث زيادة في الأسعار، ولفت إلى أن بُعد مقر المستودع يؤثر على التوزيع المبكر حيث تصل التناكر في الفترة المسائية. وأشار موظف بطلمبة ببحري إلى أن إغلاق المصفاة للصيانة في شهر مارس من كل عام يتسبب في ندرة في المشتقات النفطية خاصة بالطلمبات المتواجدة بمناطق الكثافة السكانية العالية وبالشوارع الرئيسية والتي يتزايد فيها الطلب على الوقود وسرعة نفاد كميته. وقال عامل بطلمبة أويل ليبيا إن إشكالية الجاز موجودة ولكنها ستزول عقب انتهاء صيانة مصفاة الخرطوم، مشيراً لانتشار ظاهرة الصفوف بالطلمبات هذه الأيام خاصة في أوقات "الذروة". وقال عامل آخر بطلمبة ماثيو بحلة كوكو إن الطلمبة حالياً لا يتوفر بها جازولين وبنزين منذ أمس الأول في بعض الأوقات تستغرق قرابة الأسبوعين فارغة من الجاز، ولفت إلى أن الإشكالية تكمن في الصيانة. ماذا قال وزير الدولة بالنفط ل(السوداني)؟ وفي السياق نفسه كشف وزير الدولة بوزارة النفط سعد الدين البشرى ل(السوداني) عن وصول (6) بواخر حمولة (40) ألف طن من المشتقات النفطية ميناء بورتسودان قادمة من الخارج من الشركات التي لديها تعاقدات مع الوزارة، منها باخرتين محملتين بالجازولين وثلاث بواخر بنزين وباخرة واحدة محملة بالجت، مشيراً إلى أن الوزارة توفر يومياً (4) آلاف طن من الجازولين ويعادل أكثر من احتياجها اليومي والذي يتراوح ما بين (2,700) و(2,800) طن، وقال إن هذه المعالجات تأتي كذلك في إطار خطة الوزارة لتأمين احتياجات البلاد من المشتقات طيلة فترة إطفاء مصفاة الخرطوم للصيانة والتي بدأ إطفاؤها يوم 25 مارس /آذار الحالي وتستمر لمدة شهر، مبيناً أن المصفاة كانت تمد الوزارة ب(50)% من البنزين والجازولين الذي تنتجه، بينما يتم استيراد ال(50)% المتبقية من الخارج، كما تقوم الوزارة في حالة الإطفاء الكامل للمصفاة للصيانة بالاستيراد بنسبة (100)%. وأشار البشرى إلى أن البواخر الآن قابعة بالميناء في انتظار إصدار بنك السودان المركزي لخطابات الضمان لإدخالها للعاصمة والشروع في توزيعها، مبيناً استمرار خطة الوزارة في استيراد المشتقات لحين انجلاء المشكلة، والتي قال إن السبب الرئيس فيها هو ليس إطفاء المصفاة للصيانة وإنما هلع المواطنين من الندرة والذي يرفع من وتيرة شرائهم للوقود بكميات كبيرة وتخزينه، مما يخلق طلباً عالياً عليها وندرة فيها ويرفع معدلات الشراء من السوق الأسود، مطالباً بنك السودان المركزي بالتعاون مع الوزارة في سرعة إصدار خطابات الضمان للاستيراد. لجنة الطاقة بالبرلمان على الخط وقال رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان السوداني السماني الوسيلة ل(السوداني): "حسب المعلومات الواردة من وزارة النفط فإن هنالك عدداً من البواخر تنتظر حالياً إجراءات إصدار خطابات الضمان اللازمة لسداد المشتقات المستوردة، مبيناً أن الإجراءات المالية الأخيرة حددت طرقاً وأساليب للدفع مما يؤدي لبعض التأخير في التخليص وانسياب السلع. وطالب الوسيلة وزارة النفط بالسعي لتأمين كميات وافرة إضافية من الوقود لمقابلة فترة إغلاق مصفاة الخرطوم للصيانة ومقابلة استهلاك فترة الصيف وموسم رمضان المقبل والموسم الزراعي والتي يكثر فيها الطلب على الطاقة والوقود، لافتاً للهلع الذي يصيب المواطنين من عدم توفر المحروقات والذي يزيد الطلب غير الحقيقي على المشتقات ويرفع أسعارها ويتسبب في الندرة، مشيراً إلى أن ذلك أجبر الوزارة على ضخ كميات إضافية بنسبة تتراوح ما بين (30 40)% من الكميات المعتادة، واصفاً الأزمة الراهنة في المشتقات بالعابرة. وناشد رئيس لجنة الطاقة وزارة المالية وبنك السودان بتوفير المبالغ اللازمة بأسرع ما يمكن منعاً لاصطفاف المركبات. هذا بيانٌ للناس ومن جهتها هددت وزارة النفط والغاز السودانية في بيان لها أمس الأول -تلقت (السوداني) نسخة منه- هددت فيه أمس بسحب تراخيص شركات توزيع الوقود التي يثبت تلاعبها بالبيع غير الرسمي لأكثر من وكيل لشركة واحدة. ولفتت في البيان الممهور بتوقيع وكيل الوزارة المهندس بخيت أحمد عبد الله لتوزيع الوزارة للوقود يومياً بأكثر من المعدل الطبيعي، ودعا شركات توزيع الوقود بتوجيه وكلائها في محطات الخدمة البترولية بالالتزام وعدم التلاعب في الحصص اليومية، ووجَّه إدارة الإمدادات بالوزارة بمعاقبة الشركات المخالفة.