تأخر كثيرا جدا إدراج منطقة دنقلا العجوز بشمال السودان ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو والغنية بآثار إن أزيح عنها الغبار والإهمال وكشف عنها لأبهرت العالم ولغيرت كثيرا من الثوابت عن الحضارات القديمة ولكانت قيمة مضافة للتنمية المستدامة والعمار بتلك النواحي .. فهذه البقعة هي صفحات لتاريخ حضاري إنساني ثقافي غني ويكاد ما ظهر منها وما بباطن أرضها يكتنز حضارة موغلة في القدم. أواخر الثمانينات زرت قرية القدار دنقلا العجوز والتقيت بمجموعة سياحية جاءت خصيصا من مدريداسبانيا وذكرت لي إحداهن أن المسجد الآثر يعتبر من أقدم المباني من طابقين بالعالم وحدثنا العارفون بالمنطقة بأنه كان قصرا للملك النوبي المسيحي والذي تحول للديانة الاسلامية وعلقت بصدره لوحة رخامية كتبت بها اتفاقية البقط المشهورة . قبل حوالي خمس سنوات تم بناء غرفة بالطوب الأحمر أعلى المبنى وسقفت بالزنك كتبنا وقتها "غرفة أعلى المسجد الآثر" شوهت المبنى العتيق تماما وكادت تطمس وتغير ملامحه .. لذلك أسعدني كثيرا أن يتم الاهتمام اخيرا بتراث وإرث دنقلا العجوز وينشط الأهالي لحراستها ولإدراجها ككنوز ثقافية وانسانية تحت منظمة اليونسكو لصيانتها وفق اسس علمية وترويجها سياحيا. الجمعة الماضية 12/ 2/ 2021 جاء بالأخبار ان البعثة البولندية العاملة بآثار دنقلا العجوز وضعت برنامجا للتخطيط والتنمية للمنطقة تحت شعار "استراتيجية التراث والتنمية المستدامة" بهدف تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو .. قادت الاجتماع العالمة خبيرة التراث بروف انتصار صغيرون وزيرة التعليم العالي برفقة مدير البعثة البولندية مستر ارتور ومستشار البعثة مستر بيتر ومستر تومومي والبروف البلونة وزاكي الدين ناقشوا مسودة تضم ست ركائز طرحت للمناقشة في ذلك الاجتماع آلمؤمل منه الكثير من الانجازات والذي ضم مدير هيئة اليونسكو مستر بابلوف وممثل الهيئة القومية لليونسكو وممثل المشروع القطري للآثار ووزارة السياحة والآثار بالعاصمة والولاية د. عفراء محمد عبدالله ومن المحلية أستاذة منى عثمان. واللافت للنظر والذي نعتبره قيمة مضافة هو ضم ممثلين للمجتمع المحلي يتمثل في الاداري والناشط المجتمعي صلاح موسى والأستاذة نصرة حسن علي والأستاذة نهلة عبدالقادر.. ناقشت هذه الكوكبة التفاصيل والرؤى ووضعت مقترحات إيجابية أهمها عمل خريطة وحدود للمنطقةا الاثرية لحمايتها من العبث والتخريب وللاعتناء بالمواقع المهمة وربط انسان المنطقة بآثارها وتاريخها باعتباره جزءا أصيلا من ذلك الإرث الغني وامتدادا له، والسعي لتنشيط السياحة المجتمعية وسط طلبة العلم والمهتمين لتعميرها وتأهيلها وربطها بالخدمات الحيوية. السنة الماضية زرت المنطقة وانبهرت للاكتشافات الحديثة التي قامت بها البعثة البولندية من آثار للمملكة المسيحية وقباب عليها رسومات ملونة وكتابات وأعمدة وبقايا كنائس ومعابد تدل أنها كانت بقاع تضج بالحيوية وبالأعمال والانشطة.. ان غالبية السكان حدود معرفتهم بتاريخ المنطقة هو بداية دخول الإسلام ويجهل الكثيرون ان صفحات تاريخها موغلة في القدم يحتاج لتنقيحها وصيانتها وحراستها لتكون واجهة سياحية تحدث العالم عن حضارات سادت. ان العالم المتحضر يبدأ بكتابة ورعاية تاريخه وإرثه والتي تعتبر ضمن الكنوز الثمينة والأدوات الجاذبة للاستثمار والسياحة .. نبارك هذه الخطوة والتي تحفظ لتلك البقعة أحقيتها وتميزها في كتب التاريخ وسجلات منظمة اليونسكو العالمية .. على ان يتبعها مشروعات تنموية تنهض بإنسانها الذي عانى كثيرا من انعدام الخدمات التنموية الحيوية.. وشكرا للدكتورة انتصار لأنها كانت هناك فالعمل الميداني ذو قيمة مضافة للحراك الثوري الذي يضع العلامة المميزة لما كان وسيكون .