من الملوم للكافة أن التخطيط الشامل الديناميكي الاستباقي المبني على المعلومات الدقيقة الموثقة غير القابلة للنقض هو الأساس السليم للتطور والتنمية المستدامة في المجتمعات والدول المواكبة لتطور العالم الرقمي المعاصر والتي تتطلع للمنافسة من أجل مستقبل أفضل مع بقية الأمم والشعوب والدول.قبل انتقال العاصمة من أم درمان بقعة المهدي المباركة إلى الخرطوم في العام 1902 بعد اكتمال مباني الحكمدارية والسرايا ومبان كلية غردون التذكارية كان هنالك تخطيط محكم يستهدف تحقيق الخطة الاستراتيجية للدولة والتي كان من أهم أهدافها أن تصبح الخرطوم العاصمة التجارية لإفريقيا. وعلى هذا تم تخطيط العاصمة الخرطوم. من معالم ذلك التخطيط أن الشوارع الرئيسية تم تخطيطها لتستوعب الحركة المستقبلية للعاصمة التجارية لإفريقيا. من ملامح ذلك التخطيط الحضري أن الشوارع الرئيسية مثل شارع النيل والجامعة كان عرض كل منها اربعة وثمانين متراً ابتداءً واستمر هذا زماناً حتى تم التضييق بفعل فاعل فى بعض جوانب شارع النيل وحتى سور الجامعة الذى يحيط بشارع الجامعة في أصله سور أخضر أي شجيرات خضراء تسهل إزالتها و لم تكن المباني الثابتة تصل لحدود الشارع المرسومة. وإلى قريب كانت هنالك إدارة كاملة للتخطيط الحضري تسمى إدارة التنظيم موكول لها تنظيم كل شيء في العاصمة في إطار منهج التخطيط الحضري و كان فى جامعة الخرطوم معهد للتخطيط الحضري و كنا نعمل في إطار لجنة لوضع منهج لدراسة الماجستير والدكتوراه للتخطيط الحضري الشامل فقام أحد العباقرة بشطب المعهد .و كل شارع رئيسي أو فرعي له اسم أو رقم وكل منزل أو متجر له رقم وكانت المكاتبات تصل لتلك العناوين مباشرة . وتلك التسميات والترقيم موجود حتى الآن و لكن لا يؤبه له أو به.و لا يتم التعامل بها الآن إلا عند استخراج شهادات البحث وأمثالها.ومن أهم ميزات التخطيط الحضري ناهيك …عن أن تكون عاصمة حضارية أو أياً من تلك الأوصاف…أن تكون هنالك خطوط مواصلات عامة لنقل المواطنين بمواعيد منضبطة ومحطات محددة وسرعات محددة للمركبات ومواصفات تساعد المواطنين على الانتقال السهل الميسر الذى يمكن من برمجة الزمن.. ومن أهم مكونات ذلك النظام ومؤسسة النقل العام الحكومية ذات الكفاءة العالية والانضباط والانتشار والميزة التنافسية فى التكلفة.كان ذلك موجوداً ومنضبطاً بل كانت السلطات المعنية تقوم باجراء التفتيش الراتب على جاهزية المركبات واختبار مدى صلاحية السائقين على فترات. ونظام المواصلات العامة هذا موجود فى كل دول العالم المتقدمة والمتخلفة الشرقية والغربية الرأسمالية والاشتراكية الفقيرة والغنية ويعتمد عليه ويعتد به ويتعامل معه كبار رجال الدولة فى كثير من الدول و خاصة الاوروبية. تطوير ذلك النظام غير الجوانب الاقتصادية فيه هو تقليل الازدحام والاختناقات المرورية وتقليل نسب التلوث الكربوني واستهلاك الطرق العامة وتقليل حوادث الطرق. وعندنا هنا تدهور الأمر حتى لم يعد نظام للمواصلات العامة وأصبح العاصمة في هذا الجانب عاصمة للفوضى المرورية ناهيك عن أن تكون عاصمة حضارية أو ما شابه ذلك.المظهر الأخطر هو عدم التقيد بالتصنيفات التخطيطية من أن هذا سكني وذلك تجاري وصناعي ومنطقة مفتوحة وليس هنالك ضبط لذلك فكل العام أصبح مستباحا للاغراض الخاصة و بلا اعتبارلاية تخطيط فالكل يمكن ان يحتاز اية مساحة عامة وينشر فيها سلعته وخدمته وهذا لا يقتصر داخل وحول الاماكن العامة فقط بدل الاعتداء على الشوارع العامة والفسحات الخالية داخل الاحياء.فاصبحت الخرطوم عاصمة الفوضى و حتى المستشفيات والجامعات والمدارس اصبحت مباحة متاحة لكل الاعمال التجارية من بائعي الطعام وستات الشاي وتزاحم الركشات فى الطرق الرئيسية السيارات والمواتر والشاحنات واختفت المسارات المخصصة لكل الانواع بعد ان كانت فاصبح الكل يملك الكل ومتاح له وتجد المواتر وسط البصات وفي كل انحاء العالم الذي سبقته الخرطوم في التحضر مسارات لكل انواع المركبات والمشاة اما هنا فعاصمة ولا عاصمة حضارية.وعندنا سلطات من كل المستويات على مستوى رئاسة الدولة والوزارة و الحاكم او والي الولاية و نوابه و غيرهم الى ادنى السلم موجودون و بكثرة فهل يرون او يسمعون او يعملون..