وصل صبيحة الأمس وفد من الكونغرس الأمريكي إلى الخرطوم بدعوة من رئيس المجلس الوطني بروفيسور إبراهيم أحمد عمر، وانخرط فورا في مباحثات مع قيادات الجهاز التشريعي ضمن زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام. ويضم الوفد اثنين من أعضاء الكونغرس عن الحزب الديمقراطي هما لويس كوتيرنس ودان كيلدي يرافقهما رجل الأعمال السوداني بشيرحسن بشير رئيس مجموعة شركات باش بأمريكا الذي سيقوم باستضافة الوفد إضافة إلى مدير مركز (إم تي همتي) الصادق خلف الله الذي قام بالترتيب والتنسيق للزيارة، والتي تهدف لتعزيز العلاقات والسعي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بجانب تناول ملفات الحريات وحقوق الإنسان فضلا عن الأوضاع الاقتصادية في السودان، ليبقى السؤال الأساسي: إلى أي حد يمكن أن تُسهم مثل هذه الزيارات في تعزيز العلاقات بين البلدين وتجاوز العقبات القائمة. المتحدث باسم رئيس البرلمان د.عبد الماجد هارون يقول إن الزيارة تأتي في إطار تواصل المجلس الوطني السوداني مع المؤسسات التشريعية الأمريكية بعد زيارة نائبة بالكونغرس مسؤولة عن العلاقات الأمريكية الإفريقية بهدف الاطلاع على حقيقة الأوضاع على الأرض وإمكانية إزالة السودان من لائحة الإرهاب. من جهته يرى المحلل الاستراتيجي د.عصام بطران، أن الزيارات المتكررة للوفود الأمريكية للسودان لا تمثل الجانب الرسمي للحكومة الأمريكية وهي في الغالب تمثل "لوبيهات" حزبية تستخدم السودان كأوراق ضغط داخل الكونغرس الأمريكي في إطار التنافس بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، ويضيف أيضا: "لكنها تعمل وفق المصالح المتقاربة داخل المجتمع الأمريكي -الرأي العام وجماعات الضغط- لذلك لن تُحرز تلك الزيارات تقدما في الموقف الرسمي الأمريكي تجاه السودان الذي يرتكز في ثلاث دوائر هي وكالة الاستخبارات الأمريكية ومجلس الأمن القومي والبيت الأبيض. في السياق ذاته يقول عضو البرلمان عن الحزب الاتحادي الأصل محمد المعتصم حاكم، إن زيارة وفد الكونغرس للخرطوم تمثل فرصة جيدة للسودان لعرض رؤيته فيما يثار من قضايا بجانب رؤية الكونغرس لحقائق الأوضاع على الأرض بما يُسهم في تعزيز العلاقات بين البلدين. ويرى حاكم أن الحوار بين السودان أمريكا شهد تقدما كبيرا في الفترة الأخيرة ليصبح التحدي الأساسي هو كيفية الحفاظ على التقدم وتعزيزه. ملفات وتعقيدات بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ما تزال طاولة المباحثات بين الخرطوموواشنطن موضوعة لبحث المزيد من القضايا في الفترة القادمة، وعلى رأس تلك القضايا مسألة وضع السودان في لائحة الإرهاب، لذلك يتصدر هذا الجند طاولة المباحثات بجانب الملفات المتصلة به وعلى رأسها قضايا الأمن والاستخبارات، وملف حقوق الإنسان والحريات، بجانب فرص الاستثمار في السودان، والنقطة المهمة هنا أن إزالة السودان من قائمة الإرهاب مرتبطة بقرار من الكونغرس، وما هو الدور الذي يمكن أن تؤديه وفود الكونغرس الزائرة في هذه القضية، وإلى أي حد يمكن للسودان أن ينجح في استقطاب النواب وجماعات الضغط. يقول د.عبد الماجد هارون المتحدث باسم رئيس البرلمان، إن مثل هذا التواصل يكون مفيدا وينعكس بشكل إيجابي على علاقات البلدين استنادا على حقائق الواقع، بدلا عن التقارير المغرضة التي تشكل رأي سالب تجاه السودان، لافتا إلى أن هذه الزيارة تأتي بترتيب من رجال أعمال بهدف تحفيز المصالح المشتركة التي تقوم عليها العلاقات الدولية وإتاحة الفرصة للتعرف على إمكانيات السودان وموارده لا سيما أن الكونغرس هو الجهة الأساسية المعنية برفع اسم السودان من لائحة الإرهاب. أما المحلل الاستراتيجي د.عصام بطران فيقول إن المؤسسات الأمريكية سواء كانت تنفيذية أم حزبية أم تشريعية أم أمنية تتعامل في الأساس استنادا للتقارير التي ترد إليها عبر قنوات التخابر ذات المهنية العالية في التعامل مع الملفات التي تمثل عمق الأمن القومي الأمريكي في كل العالم والسودان يصنف كعمق أمني للولايات المتحدةالأمريكية في منطقة شرق ووسط إفريقيا وكذلك المنطقة العربية. شروط التطبيع تضع واشنطن مسالة حرية الأديان والحريات وحقوق الإنسان كشروط أساسية في المرحلة الثانية للتطبيع الكامل مع الخرطوم ورفع اسمه من لائحة الإرهاب، لذلك تتطلع لرؤية تغيير كبير في بنية حقوق الإنسان وحرية الأديان معتبرة أن حقوق الإنسان بمثابة ركيزة أساسية لبناء السلام المستدام في السودان والإقليم. وتلوح واشنطن باستخدام أدوات إضافية للضغط إذا ما تراجعت حكومة السودان عن التقدم المحرز حتى الآن في المجالات الخمسة أو إذا اتخذت إجراءات سلبية بشأن مجالات اهتمام أخرى. في ذات الوقت، فإن لواشنطن وبعض جماعات الضغط في بلاد العم سام كروت لمساومة والسودان وابتزازه أبرزها تعويضات تفجيرات سفارتي واشنطن في تنزانيا وكينيا في العام 1998، وتعويضات المدمرة كول التي جرى تفجيرها عام 2000م بسواحل اليمن، وهم تعويضات حكمت فيها المحاكم الأمريكية بقرابة 8 مليارات دولار – ما زالت في مرحلة التقاضي - ولم يخف مسؤولون أمريكيون نيتهم في الضغط على السودان بعد قرار رفع العقوبات وحثه على سداد التعويضات. ولا تقتصر كروت الضغط على تعويضات الهجمات الإرهابية فقط، بل إن واشنطن ستسعى على استحياء لاستخدام كرت المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من أنها ليست عضوا فيها، إلا أنها ستسعى لإرضاء جماعات ضغط داخلية وأوروبية قبل أن تُناور للحصول على مبتغاها. ويشير تقرير للمجلس الأطلنطي -أحد مراكز صنع القرار فيما يلي السياسة تجاه السودان- إلى أن مشكلات السودان السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، تأتي في المقام الأول كنتيجة لتدني مستوى الحكم، والفساد، والافتقار للشمول والمشاركة السياسية، وأن الاستقرار السياسي طويل المدى، والنمو الاقتصادي، والتطبيع مع المجتمع الدولي تعتمد على قدرة السودان في تقوية مؤسساته الديمقراطية، وتحسين مستوى الحكم، وتوسيع فضاء المشاركة السياسية لكل مواطنيه. وفي كل الأحوال يمكن القول إن معركة الخرطوم الأساسية في مرحلة رفع السودان من لائحة الإرهاب والتطبيع الكامل تتعلق بالكونغرس بعد التقدم الكبير والتعاون المُحرز بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين، إلا أن الخرطوم تدخل الجولة الثانية، وهي تفتقد لخدمات وزير الخارجية المستقيل إبراهيم غندور الذي يعتبر لاعبا مؤثرا وبشهادة الفريق الأمريكي ساهم في إحراز التقدم في الجولة الأولى، فهل ستستطيع الخرطوم إكمال الجولة الثانية بنجاح لا سيما بعد فتور صاحب علاقات الخرطوم بحلفائها الخليجيين وعقبات إضافية لاحت في الأفق عبر عنها الرئيس عمر البشير في زيارته الأخيرة لروسيا، والتي كشفت عن أن الخرطوم لم يعد لديها كثير من اللياقة لمواصلة مباراة التطبيع.