عطفا على ما سبق ومواصلة للحديث عن الموكب الجنائزي من السودان إلى الجزائر والحاقاً لمن سقطت أسماؤهم من قائمة الوفد نذكر الشيخ /عثمان إسماعيل ممثل للزاوية التجانية بمدينة أم روابة ..والشيخ وليد حسين ممثل لزاوية دار المرايا التجانية بالخرطومالطائف ..والشيخ بدر الدين محمد ممثل للزاوية التجانية بكسلا / إضافة للعبد الفقير إلى الله كاتب المقال. الموكب الجنائزي تحرك من مستشفى بشائر إلى مطار الخرطوم في التاسعة من مساء الخميس الأول من إبريل وقد شهدت ساحة المطار تدافعا كبيرا غير مسبوق من السادة التجانية والطرق الصوفية وألسنة الجميع تلهج بالثناء والدعاء عليه ..أسرة الفقيد وأحفاد الشيخ التجاني أجموا على الشيخ موسى عبد الله حسين بالصلاة على الشريف علال.. وعقب الصلاة بدأ الناس في تكملة إجراءات السفر والصعود إلى الطائرة الجزائرية فانطلق الموكب في الثانية صباحاً من مطار الخرطوم إلى مطار الأغواط الجزائرية في رحلة استغرقت نحو تسع ساعات كانت الأرواح عالية والنفوس كبيرة لم يشعر الوفد بعناء السفر..ولم يشعروا برهق ولا نصب.. ومع نسمات الصباح الجميل بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي نحو مدرج مطار الأغواط ..وعند العاشرة والنصف هبطت الطائرة بسلام حيث كانت السلطات الجزائرية في استقبال جثمان الفقيد برفقة الخليفة العام للطريقة التجانية بالعالم الشريف علي بلعربي وبدأ الإعلام الجزائري في استضافة عدد من أعضاء الوفد واستضافتهم حول هذه الفاجعة الأليمة.. لم يمكث الوفد زمنا طويلا بمطار الأغواط حتى بدأ التحرك نحو مدينة عين ماضي في موكب كبير ومهيب تتقدمهم سيارات النجدة والتشريفة وصل الموكب إلى عين ماضي ومباشرة إلى منزل الراحل الشريف علال حيث كانت أسرته تنتظره لإلقاء النظرة الأخيرة عليه .. توجه الموكب من منزل الشريف علال إلى الزاوية التجانية الكبرى بعين ماضي وإشارات الوقت تشارط الإمام بالصعود على المنبر فصعد سيدي عبدالجبار لإلقاء خطبة الجمعة التي حوت على مصيبة الموت والابتلاء ..انتهت الصلاة وبدأ البرنامج المراسمي لتشييع الفقيد فتقدم الشريف عمار نجل الخليفة علي بلعربي لإلقاء كلمته نيابة عن الخليفة العام ..ثم تحدث مستشار الرئيس الجزائري عيسى بلخضر ونقل تعازي الرئيس عبد المجيد تبون والقيادة الجزائرية وأخير تحدث الدكتور محمد الأمين الشنقيطي نيابة عن الوفد السوداني ونقل تعازي الحكومة السودانية وأتباع الطريقة التجانية ..انتهى البرنامج المراسمي الأول وانطلق الموكب الجنائزي نحو قصر كردان التي تبعد عن الزاوية التجانية نحو خمسة كيلو مترات ..وعلى مقربة من القصر ترجل الخليفة العام للطريقة التجانية الشريف علي بلعربي ووقف بجانب الطريق في انتظار اكتمال وصول موكب المشيعين وبعد أقل من عشر دقائق وصل كل المشاركين في الموكب الجنائزي وترجلوا من سياراتهم وتم إنزال الراحل الفقيد من سيارة الإسعاف فحمل على الأكتاف وانطلق الجميع بصحبة الخليفة العام مشيا على الأقدام قاطعين مسافة تجاوزت الخمسة آلاف متر.. وعلى ساحات القصر الخارجية اصطف الناس كالبنيان المرصوص ووضع جثمان الفقيد الراحل للصلاة عليه فصلى على جثمانه الشريف احميدا بن الخليفه سيدي عبدالجبار.. وعقب الصلاة عليه حمل جثمان الفقيد الى الداخل ودفن بجوار جده الشريف احمد عمار الشريف علي بلعربي جلس مع ضيوفه لقراءة القرآن على روح الشريف علال والدعاء له .. وبهذا الختام المسك انتهت مراسم التشييع وانتهى الموكب الجنائزي الذي انطلق من الخرطوم إلى عين ماضي بالجزائر ..الآثار التاريخية لقصر كردان تعود إلى الشريف أحمد عمار بن الشريف محمد الحبيب النجل الأكبر للإمام القطب أحمد بن محمد التجاني.. وجاء تاريخ ميلاد الشريف أحمد عمار في سنة 1850ه وفي عام 1869 برزت مقاومة أبناء وأحفاد الشيخ التجاني للاستعمار الفرنسي وعمره لم يتجاوز ال16عاما فتم القبض عليه وتم نفيه إلى فرنسا لكن عناية الله وحفظه تجلت بإطلاق سراحه فعاد إلى الجزائر في سنة 1871ه عقب عودته قام الشريف أحمد عمار بوضع حجر أساس الزاوية التجانية بكردان سنة 1872ه وتم الانتهاء من بنائها في عام 1879 فكانت تحفة معمارية ومركزا إسلاميا وقلعة حضارية يلتقي فيها الناس للصلاة والذكر وتعليم القرآن وعلومه واستقبال الوفود والضيوف من كل أنحاء العالم فأطلق عليها (قصر كردان).عاد الوفد من كردان إلى منزل الخليفة العام للطريقة التجانية الشريف علي بلعربي بعين ماضي لتناول وجبة الغداء ثم توجه الناس إلى مقر الإقامة والسكن..والاستعداد لذكر عصر الجمعة الذي بدأ عقب الصلاة والوظيفة مباشرة.. في اليوم الثاني نظم الشريف عمار نجل الخليفة العام زيارة للوفد إلى أهم المعالم والآثار التاريخية للسادة التجانية فكانت البداية بقصر كردان حيث مقام السيد أحمد عمار والتعرف على تاريخ إنشائه ثم توجه الوفد إلى مسقط رأس الشيخ أحمد التجاني والمنزل الذي كان سكن فيه الإمام القطب.. و مسجد نجله الشريف محمد الحبيب والمقام الذي دفن فيه ..ومقام ولدي الشيخ التجاني ومقام محمد بن عربي الدمراوي كاتم أسراره والوقوف على برج النظره وغيره من الأضرحة و الآثار التاريخية التي تؤكد أن الجزائر منبع الطريقة التجانية وأن الخلافة العامة بعين ماضي راسخة وضاربة في الجذور التاريخية وستبقى ما بقي التاريخ شاهداً وناطقاً .. الشريف عبد الجبار بن الشريف علال أقام مأدبة غداء لأعضاء الوفد السوداني والتشادي بمنزل الأسرة والقى كلمة شكر بحق الشعب السوداني والوفد المشارك نيابة عن أهل السودان. الخليفة العام للطريقة التجانية الشريف علي بلعربي عقد جلسة خاصة مع أعضاء الوفد فبدأ بالترحم على الشريف علال وجهوده في الطريقة التجانية وما حظي به من تقدير واحترام من الشعب السوداني ..فاوصى الإخوان بالقرآن الكريم والإكثار من الذكر والتحصينات ووحدة الصف التجاني وجميع الكلمة وعدم التفرقة والاختلاف وقال بالنص إن السودان (يشكل بوابة التجانية ) لذلك نريدكم متضامنين ومتحابين وموحدين وهو مصدر قوة لنا ..واثنى فضيلته على الشعب السوداني ومحبتهم للسادة الأشراف وعلى الوفد المشارك في الموكب الجنائزي باعطر العبارات وقال هنيئا لكم لقد نقشتم أسماءكم في السجل الذهبي ..مؤكداً أن الكتابة يمكن أن تنمحي وتزول لكن النقش يبقى في التاريخ ولا يمكن أن يزول ..وأن الله هو الذي شرف هذا الوفد واختاره بعنايته لمرافقة سيدي علال من الخرطوم إلى عين ماضي بالجزائر.. وفي مساء اليوم الأخير الذي أعقب مغادرة الوفد أقام الشريف البدالي نجل الخليفة عبد الجبار مأدبة عشاء بمقر الخلافة العامة للطريقة التجانية..عقب ذالك وجه الخليفة العام الشريف علي بلعربي كلمة شكر للشعب السوداني والوفد المشارك في الموكب الجنائزي كما وجه رسائل ووصايا أكثر خصوصية (وهي بالطبع ليست محل نشر) وحمل رؤساء الوفود رسائل إلى المشايخ والمقدمين خلفاء الطريقة التجانية بالسودان كما حمل سعادة اللواء الدكتور محمد الأمين الشنقيطي رسائل خاصة إلى القيادة السودانية. صباح الإثنين انطلق الموكب نحو مطار الأغواط عقب صلاة الفجر وسيارات التشريفة تتقدم الموكب وصل الوفد إلى المطار وبسرعة فائقة اكتملت الإجراءات في الصالة بروح طيبة وابتسامة كبيرة من سلطات مطار الأغواط من قوات الشرطة والجيش والأمن وتم الصعود للطائرة التي حوت على كل سبل الراحة ..وعلى الموعد المحدد أقلعت الطائرة عند التاسعة صباحاً من مطار الأغواط إلى مطار الخرطوم في رحلة استغرقت نحو تسع ساعات ثم هبطت الطائرة في مطار الخرطوم بسلام والفرحة والسرور عمت وجوه جميع المشاركين ..حيث كان الشيخ موسى عبد الله حسين في استقبال الأحفاد والأشراف بصالة كبار الشخصيات ..بعدها بعث الشريف عبد الجبار بن الشريف علال رسائل شكر للحكومة الجزائرية والسودانية والرئيس عبد المجيد تبون ولرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان والفريق اول محمد حمدان دقلو ولقيادات الشرطة والجيش والأمن بكلا البلدين ولجميع أحباب ومريدي الطريقة التجانية بالعالم. أخيراً نشكر الشعب الجزائري حكومة وشعباً على موقفهم السامي والنيل وعلى الرعاية الخاصة بأمور الخلافة العامة للطريقة التجانية وما يشكلها إقليمياً ودولياً من رمزية قدسية ودبلوماسية روحية تعزز من الجزائر كدولة حية وفاعلة ذات حضارة وتراث ضاربة في التاريخ ..والشكر موصول للخليفة العام للطريقة التجانية وأبنائه وجميع أحفاد سيدي أحمد التجاني على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والخدمة المتفانية للضيوف ولكل من ساهم وشارك مراسم عزاء الشريف علال وللشيخ اليسع عبد القادر والذين معه خلف الكواليس في خدمة الضيوف ولمنسق البرنامج الأستاذ عبد الوهاب موسى ولجميع أعضاء الوفد المشاركين في الموكب الجنائزي ممن نقشوا أسماءهم في السجل الذهبي.