نظرةعنوان المقال يقودنا إلى سُؤالٍ يطرح نفسه، هل الانطباع الأول هو الانطباع الأخير؟ للأسف في مُعظم الأحيان ينطبع في أذهان بعض الناس أنّ الانطباع الأول للشخص هو الانطباع الأخير له، غير أنّ هذه العادة في تقديري خَاطئةٌ، وهي عادةٌ شائعةٌ في مُجتمعاتنا، فبمُجرّد أن نسمع عن شخصٍ نُصدِّق ما نسمع بغض النظر من أنه جيِّد أو غير ذلك، فينطبع فينا مفهوم عنه دُون أن نتأكّد منه، إذاً كيف نتأكّد؟ الإجابة ببساطة بعد أن نجلس معه ونتحدّث إليه، وهنا تحضرني مقولة: (تكلم حتى أراك)، وبعد التعامل مع الشخص لوقتٍ من الزمن ونعرف طريقة تفكيره ومبادئه فتتشكّل لنا الصورة الصّحيحة، ثُمّ بعدها يُمكننا الحكم عليه بالتعامل معه أو الابتعاد عنه. فقد يصدر البعض الحكم على شخصٍ ما، من خلال مظهره أو دَرجته العلميّة، وهذا بالطبع مفهومٌ خاطئٌ أيضاً كما يجب أن نوقن تماماً أنّ لكل واحد منا عيوباً وقُصُوراََ وزَلات وغُمُوضاً لا يعرفها إلا الشخص نفسه، ولو كشف الله المستور لغيرنا لانفضحنا أمام الناس، وصحيحٌ هناك النظرة الثاقبة، إلا أنّ قليلاً منا من يحكم على الآخرين بالتجربة ومن خلال المواقف الصعبة، أما عن استمرارية العلاقة مع الطرف الآخر، ولطالما عُيُوبنا موجودة ومُختلفة في كل إنسان، يجب علينا استيعابها وتقبلها ومُحاولة تحسينها ومُعالجتها وذلك بإخطار الطرف الآخر على انفراد حتى يُصحِّح مساره في الحياة، وتسود المَحَبّة والاحترام بين الناس، كما قد يكون البعض على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والاستقامة، ومن ذوي السلوك الإيجابي، فنظلمهم لمُجرّد انطباع أخذناه عنهم من أول نظرة، وقد نحكم على الآخرين جُوراً وظُلماً، فالحياة علّمتنا أن أفقر الناس علماً بالحقائق وأقلهم خبرةً، هم أولئك الذين يحكمون على الآخرين سريعاً، فلنتمهّل خَاصّةً عندما نصدر حكماً على الآخرين، فبعض الأزهار والورود لا تخلو من الأشواك، غير أنّها جميلة ورائعة تسر الناظرين حين ينظرون إليها من بعيدٍ. وتحضرني هنا قصة مُرتبطة بالتسرع في الحكم على الآخرين ومضمونها أنّه عَاشَ رسّامٌ عجوزٌ في قرية صغيرة وكان يرسم لوحات في غاية الجمال ويبيعها بسعرٍ جيِّدٍ، وفي يوم من الأيام أتاه فقيرٌ من أهل القرية وقال له: أنت تكسب مالاً كثيراً من أعمالك، فلماذا لا تُساعد الفقراء في القرية؟ انظر للجزار في القرية، فهو لا يملك مالاً كثيراً ومع ذلك يُوزِّع في كل يوم قطعاً من اللحم المَجّانية على الفقراء، لم يرد عليه الرّسّام وابتسم بهدوءٍ، خرج الفقير مُنزعجاً من عند الرّسّام وأشاع في القرية بأنّ الرسام ثري ولكنه بخيلٌ، فنقم عليه أهل القرية هذه الخصلة، وبعد مدة من الزمن مرض الرّسّام العجوز ولم يعره أحدٌ من أبناء القرية اهتماماً وَمَاتَ وحيداً، مرّت الأيام ولاحظ أهل القرية بأنّ الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحماً بالمجّان، وعندما سألوه عن السبب، قال إن الرّسّام العجوز هو الذي كان يعطيني كل شهر مبلغاً من المال لأرسل اللحم للفقراء، ومات فتوقّف ذلك بموته. والعبرة هنا، قد يسيئ بعض الناس بك الظن، وقد يظنك آخرون أطهر من ماء الغمام، ولن ينفعك هؤلاء ولن يضرّك أولئك، المُهم حقيقتك وما يعلمه الله عنك، لذلك علينا ألا نحكم على أحدٍ من ظاهر ما نراه منه، فقد تكون في حياته أمورٌ أخرى لو علمناها لتغيّر حكمنا عليه.