تهديدات معلنة ومبطنة يرسلها داعمو الانقلابات العسكرية بالبلاد في بريد الشعب السوداني، لإرجاعه عن طريق الديمقراطية التي دفع الأرواح مهراً لها، وما يزال، ولإيمانه بتحقيقها، شارك للمرة الأولى في وضع مشروع دستور البلاد عبر ورشة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين التي دعت إليها كل القوى السياسية، ماعدا حزب المؤتمر الوطني المحلول الذي تم إسقاطه من الحكم بثورة شعبية، ووجد المقترح الذي يتكون من 76 بنداً إجماعاً كبيراً من القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح وقوى الثورة الحيه داخل وخارج البلاد. الخرطوم: وجدان طلحة مشروع عظيم : مشروع الدستوري الانتقالي إلغى الوثيقة الدستورية التي وقع عليها المكونان المدني والعسكري في أغسطس 2019م، وكان الأمين العام السابق لحزب الأمة القومي، إبراهيم الأمين، اعترف بأنه تم الاعتداء عليها من قبل 3 أشخاص من المكونين، لكن ظل معمولاً بها حتى انقلاب 25 أكتوبر حيث جمد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بعض موادها . الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، أوضح في تصريح ل(السوداني) أن مشروع الدستور الانتقالي جاء علي خلفية الوثيقة الدستورية المؤودة ، وقال لم يتم أخذ مادة واحدة منها، لأنها مجرد ذكريات أليمة واصطفاف أيدلوجي مكنت العساكر، كما أنها صدرت بموجب أمر دستوري من رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، لافتاً إلى أن من شاركوا في صياغتها لم يراعوا قيمة التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر المجيدة . عمر أكد أن مشروع الدستور عمل عظيم وجبار، لذلك انتقدها انصار الانقلابات العسكري وأطلقوا شائعات بأنه تمت صياغتها داخل بعض السفارات، وقال (أقسم بالله أن السفارات ليس لها أي تأثير على هذا المشروع العظيم، ولا أحد يستطيع فرض رأيه علينا، وأضاف أن السفارات تدخلت في عهد النظام السابق) ،مشيراً إلى أن مشروع الدستور قيد أنصار النظام البائد ولم يحرمهم فقط من ممارسة العمل السياسي، وقال: "تم إسقاطهم بثورة شعبية ولا يُعقل أن يمسكوا بالقلم ويصححوا للناس، مطالباً من لديه مشروع أفضل من هذا أن يقدمه للشعب السوداني. مدخل للتسوية ؟ لنحو 70 عاماً من استقلال السودان مايزال الحوار يدور حول مسودة دستور ، ولعل هذا أكبر دليل على عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي بالبلاد، ولعبت الانقلابات العسكرية دوراً أساسياً فيه، بالإضافة إلى عدم ربط الحقب الديمقراطية المحدودة الزمن بالإنجاز والخدمات لتتوسع القاعدة الشعبية التي تحمي النظام الديمقراطي . يتساءل البعض عن هل يمكن أن يكون الدستور الانتقالي مدخلاً للتسوية السياسية؟ ولعل الحراك بالشارع الآن واستشهاد أكثر من 115 شهيداً منذ انقلاب 25 أكتوبر يؤكد الرفض لهذا الأمر ، وما يزال الشارع قابضاً على جمر قضيته وهو استرداد الحكم المدني الديمقراطي، ورجوع العسكر إلى ثكناتهم ،بالتالي فإن المشروع يفتح الطريق إلى ترتيبات أمنية ووجود جيش قومي يخرج القوات المسلحة من المأزق الذي أدخلته فيها الانقلابات العسكرية والسياسية . الخبير القانوني، المعز حضرة، أوضح في تصريح ل(السوداني) أن التسوية السياسية انتهت بتوقيع الوثيقة الدستورية بين الحرية والتغيير والمكون العسكري، ولا مجال الآن للحديث عنها، وقال إن مشروع الدستور يمكن أن يؤسس إلى ارضية جيدة، باعتبار أن المشكلة الآن مشكلة تقويض نظام دستوري، ويجب أن يُحترم من الجميع، وأضاف أن المكون العسكري في الفترة الماضية انتهك الدساتير، وأن المطلوب الآن هو الالتزام بالدستور والابتعاد عن الحياة السياسية . خروج الجيش : رغم الترحيب الذي وجده مشروع القانون ، إلا أنه ما يزال مطروحاً للنقاش، باعتباره سيؤسس لفترة انتقالية جديدة مدخلها إسقاط الانقلاب وإنهاء ما ترتب عليه، وهذه الجزئية لا يمكن تحقيقها إلا بأغلب الشعب السوداني المتمسك بالديمقراطية والمقاوم للانقلاب العسكري ، وبتفكيك بنية النظام السابق واسترداد الأموال المنهوبة بما في ذلك ما بعد انقلاب 25 أكتوبر، فضلاً عن تكوين المنظومة العدلية والحقوقية بما فيها المفوضيات والمحكمة الدستورية والعدالة والعدالة الانتقالية، وتصبح الجبهة الواسعة المتمسكة بالمقاومة السلمية هي التي تعتمد التصور النهائي للدستور الانتقالي . بحسب خبراء قانونيين فإن مشروع الدستور حقق مطلب السودانيين، وهو خروج الجيش من السياسية فعلاً وليس قولاً، ولا يمكن تجاوز هذا المطلب لأن الدستور يشارك في صياغته كل الشعب السوداني، كما أن لجنة المحاميين وقفت على مسافة واحدة من كل الأطراف التي تطوق إلى التحول المدني الديمقراطي ، وقال الأمين السياسي كمال عمر في تصريح ل(السوداني) إن الدستور المقترح هو مشروع كبير لمعالجة أزمة علاقة الجيش بالسلطة ، وجود حكومة مدنية لأنها انقلاب 25 أكتوبر، لأنه بحسب حركة الشارع لا أحد يقبل حكماً عسكرياً ، مشيراً إلى أن مشروع الدستور وضع توصيف للمؤسسة العسكرية؛ لذلك حصلت معالجة دستورية سياسية في الوثيقة . نافذة أمل : نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول، محمد حمدان حميدتي، رحب بمشروع الدستور الانتقالي، داعياً أن يكون نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف السودانية للجهود التي تُسهم في التغلّب على المصاعب التي تواجه البلاد . رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة اعتبر في تصريح ل(السوداني) أن ترحيب حميدتي خطوة متقدمة وتستحق الإشادة، وقال "حميدتي انحاز للتحول الديمقراطي وأعلن ذلك صراحة"، وأضاف أن تصريح رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بالخروج من الحياة السياسية مهم جداً، ويجب الالتزام به . المحلل السياسي صلاح الدين عبدالرحمن يذهب في تصريح ل(السوداني) إلى أن حميدتي جاء بعد علمه باقتراب قطار الديمقراطية للوصول إلى محطتة النهائية شاء أو رفض، وأنه مبادرة موضوعية وعقلانية أيدها الشعب السوداني الذي يرفض الحكومات العسكرية الديكتاتورية . دعم دولي: مشروع الدستور وجد ترحيب من المجتمع الدولي لارتباطه عضوياً بالسودان وظل يراقب الأوضاع عن كثب وشكل ضغطاً على قادة الانقلاب بضرورة عودة الحكم المدني، وكرد فعل جمد المساعدات التي كان مقرراً منحها للسودان . السفير الرشيد أبو شامة اعتبر في تصريح ل(السوداني) أن ترحيب المجتمع الدولي بمشروع الدستور يمثل خطوة ممتازة ويسهل تشكيل الحكومة المدنية وعودة العسكر إلى الثكنات، مشيراً إلى أن الدول الداعمة للسودان لها وزن في المؤسسات الدولية ، وكانت داعمة للسودان في فترة حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك التي أرجعت السودان إلى حضن المجتمع الدولي الذي انقطع بعد انقلاب 25 أكتوبر . دولة مدنية مقترح اللجنة التسييرية لنقابة المحامين وجد قبولاً من حركات الكفاح المسلح ، والجببة الثورية ومن أحزاب سياسية كانت مشاركة في النظام السابق حتى سقوطه ، وهذا اعتراف منها بأنه أفضل مشروع متميز يستحق التوقع عليه ليكون دستورا دائماً للبلاد، الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي نبه إلى أن مشروع الدستور أكد أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات، وأن السودان دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتلتزم باحترام الكرامة الانسانية ، وأن السودان دولة ديمقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الأديان والمذاهب والثقافات واللغات، وغيرها ذلك مما ورد في المشروع الذي كان نتاجاً لتوصيات الورشة التي عقدت الشهر الماضي بدار المحامين بمشاركة القوى السياسية والمدنية وممثلو السفارات العربية والأجنبية بالخرطوم .