هكذا بعض الحكام العسكريون، لا يدركون وعي مواطنيهم وأمزجتهم، إلا لحظة الاصطدام بهم، وربما تفاجأ العسكريون بمجلس السيادة مرة أخرى برفض الجماهير لانقلاب 25 أكتوبر، وكانوا يعتقدون أن الأمور ستمضي كما خُطط لها ، وأنه سيتم تشكيل الحكومة الثالثة في الفترة الانتقالية بعد أيام من ذلك الانقلاب، إلا أن أمانيهم ظلت بين قلوبهم، ولم يستطيعوا تحقيقها أمام رفض الشارع للانقلاب العسكري، وغضب الشباب الذي يتمسك بعودة الحكم المدني، وما يزال يدفع الأرواح مهراً لذلك. الخرطوم : وجدان طلحة انفراد العسكريين: التحليلات تُشير إلى أن انقلاب 25 أكتوبر تم الإعداد له مسبقاً، وظهر ذلك من خلال انفراد المكون العسكري بالسيطرة على بعض الملفات التي أوكلتها الوثيقة الدستورية للجهاز التنفيذي، وساعد على ذلك التمدد ضعف الإرادة السياسية التي صاحبت أداء رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، وعدم ممارستة لسلطاته ترك فراغ ملأه المكون العسكري كالسلام والعلاقات الخارجية، وملف الاقتصاد من خلال إحكام سيطرته علي شركات القطاع الأمني والعسكري، وعلي المفاصل الحيوية للاقتصاد، لا سيما قطاع الصادر، بالإضافة إلى إعاقة الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها اللجنة الاقتصادية، من بينها إعادة شركات المساهمة العامة، وسيطرة الدولة على قطاع المعادن . إعاقة التحول : التحليلات تُشير إلى أن الهدف من الانقلاب هو إعاقة التحول المدني الديمقراطي، خاصة أن تنفيذه تم قبل وقت قليل من موعد تسلم المدنيين لرئاسة مجلس السيادة الانتقالي، بالإضافة إلي هدف آخر وهو استمرار المكون العسكري بمجلس السيادة في الاستحواذ على السلطة . قوى وأحزاب سياسية اعتبرت أن الغرض من الانقلاب هو تمسك العسكريين بالسلطة، وحماية الرأسمالية الطفولية التي نالت مصالحها وامتيازاتها في عهد النظام السابق الذي تم إسقاطه بثورة ديسمبر. تنبيه البعث: الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، د.عادل خلف الله، أشار، في تصريح ل(السوداني)، إلى أن حزبه نبه لانقلاب 25 أكتوبر منذ وقت مبكر، من خلال اللقاءات الأخيرة بين الحرية والتغيير ومجلس الشركاء، وحذر من خطورة تقويض النظام الديمقراطي، وأنه يجب الالتزام بنقل رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، وقال إن المكون العسكري كان (مبيِّت النية) للانقلاب، لذلك تم تعطيل المؤسسات التي تحتوي الخلافات والاجتماع المشترك بين المجلسين، وتزامن معها إغلاق المعابر مع دول الجوار خاصة مع مصر، وإغلاق الطرق المؤدية إلى طرق البترول، ووصلت ذروتها بدعم إغلاق الشرق، وأضاف أن تلك الوقائع تؤكد أن ما حدث في 25 أكتوبر هو انقلاب لقطع الطريق أمام إكمال التحول الديمقراطي بالاستقواء بفلول النظام السابق، وهو انقلاب تقليدي مكتمل الأركان، مشيراً إلى أنه أسوأ الانقلابات التي مرت على السودان . نصب المشانق: ما حدث في 25 أكتوبر وجد رفضاً من قوى الثورة الحية، ومن الشارع الذي ما يزال يخرج في مواكب مطالباً بعودة الحكم المدني، ويرفض أي تسوية يمكن أن تفرضها سياسة الأمر الواقع، وبعضهم أكثر تشدداً بوضع القوى التي مهدت للانقلاب في مربع واحد مع العسكريين، وأكدوا أن لا مكان لها بعد إسقاط الانقلاب في الحكومة القادمة . مراقبون أشاروا إلى أن أحزاب المجلس المركزي نُصبت لها المشانق خاصة من القوى المعادية للتحول المدني الديمقراطي، واعتبروها جزءاً مما حدث؛ لأنها انشغلت عن المواطن وقضاياه بالتشبث بالسلطة والصراعات الحزبية الضيقة، وهذا ترك مساحة للتخطيط للانقلاب، ولم تفق منه إلا صبيحة 25 أكتوبر . آخرون أكدوا أن أحزاب (المركزي) أصبحت تُعرف بالحاضنة السياسية، وهو مصطلح له دلالة سياسية، مشيرين إلى أن مهمة الأحزاب وفقاً للوثيقة الدستورية هي تقديم الترشيحات لرئيس الوزراء، داعين إلى الاستفادة مما حدث خلال الفترة الماضية، والابتعاد عن الغوص في تقييمها؛ حتى لا يضيع وقت وجهد من المفترض أن تتم الاستفادة منه في توحيد قوى الثورة لمجابهة الانقلاب والدعوة إلى عصيان مدني وإضراب سياسي . التحول الديمقراطي: المحللة السياسية، آلاء محمد، أشارت في تصريح ل(السوداني) إلى أن الإصلاح الاقتصادي مهم ليس لحل الأزمة الاقتصادية، بل لتوفير شروط أفضل للتحول الديمقراطي، واضافت: "الإصلاح له أعباء من المفترض أن تتحملها جهات وليس المواطن" . مشيرة إلى أن العامل الاقتصادي كان سبباً في انتفاضة ديسمبر، إلا أن رئيس الوزراء لم يلتزم بالبرنامج الذي قدمته اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، وساءت الأوضاع الاقتصادية أكثر وأكثر ودفع ثمنها المواطن . في السياق، قال د.عادل خلف الله، إن السياسة التي اتبعها رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، حملت الأعباء إلى قطاعات الشعب الفقرة، بدلاً عن القوى التي جمعت أموالاً خلال ال30 عاماً السابقة؛ نتيجة لارتباطها بالسلطة أو للدعم الذي قدم لها، مشيراً إلى أن هذا من أسباب عدم الرضى الشعبي للفترة الانتقالية، ورغم تأييد الانقلاب لهذا النهج، لكن استخدمه لتقويض المسار الديمقراطي . مظاهرات أكتوبر : رئيس المجلس التنفيذي لحركة (بلدنا)، جعفر خضر، أوضح في تصريح ل(السوداني)، أن العسكريين عاجزون عن تشكيل حكومة، وعن إدارة الدولة، وظهر هذا الأمر جلياً في فشل الموسم الزراعي، وإضرابات التجار بسبب السياسيات الاقتصادية التي أفقرتهم، وجعلت بعضهم يهرب إلى خارج البلاد، وقال إن الإضرابات تحدث دون توجيه من أي جهة سياسية . وتوقع خضر زيادة موجة المظاهرات بالشارع مع بداية العام الدراسي، بالإضافة إلى أن شهر أكتوبر له رمزيته، وقال إنه موعود بشهر مليء بالحراك لإسقاط الانقلاب .