الاختراق الذي تم في المحادثات الإثيوبية التي جرت في جنوب أفريقيا رغم تعثرها في بدايتها، إلا أن التدخُّلات الدولية نجحت في فك جمودها، خاصّةً وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي رميا بثقلهما خلف الوساطة الثنائية من الاتحاد الأفريقي والمبعوث الكيني الخاص الرئيس السابق اوهورو كينياتا. ولعل أهم نقاط الاتفاق التي تحتاج الوقوف عندها، انسحاب القوات الإريترية من أراضي التيغراي وهذا يتسق مع النداءات التي ظلت تطلقها الولاياتالمتحدةالأمريكية من خروج القوات الاريترية، إضافة الى مطالبات التيغراي بهذا. لكن هذا البند سيكون له مردود مباشر على علاقة أديس أبابا مع أسمرا التي ستفسر الأمر بأن آبي احمد وحكومته ضحيا بها رغماً عن مشاركتها في القتال على مدى عامين كاملين. كما ان الرئيس الإريتري أسياس افورقي سينسحب دون تحقيق هدفه الاستراتيجي بتحطيم جبهة التيغراي، على الرغم من انه قد يبدو حقق هذا الهدف جزئياً بالبند الخاص بنزع سلاح قوات التيغراي ودمجها وتسريحها، وهو البند الذي يمكن ان ينهي قضية تعدد القوات في إثيوبيا وذلك بربطها بأن يكون للدولة جيش واحد، لكن مكونات إثنية متعددة ستقاوم هذا البند ولا سيما أنها تريد الاحتفاظ بقواتها سواء كانت القوات الخاصة بالإقاليم أو المليشيات ذات الطبيعة الإثنية، مما قد يفجر خلافات تعم كل أرجاء إثيوبيا. أما افورقي ففي ظل عدم إشراكه في المفاوضات على إثر رفض التيغراي وجوده مع ضغط دولي بأن لا يعطى دورا في التسوية، فإنه لن يقبل الأمر وسيحاول عرقلته عبر تحالفات مع بعض المكونات الإثنية الإثيوبية في ظل التقارب بينه والأمهرا والذي حدث إبان الحرب. والواضح ان موفقة التيغراي على نزع سلاح قواتها وتسريحها قد يثير بعض الاعتراضات داخلها مما يمثل تهديدًا للاتفاق. أما بالنسبة للسودان، فبالنظرة الأولى قد يظهر الاتفاق، سيجلب استقراراً على طول حدوده ويوقف تدفقات طالبي اللجوء، لكن الشريط المجاور للسودان في منطقة ولقايت حمرة والذي حوله خلافات تاريخية بين الأمهرا والتيغراي قد يكون قنبلة موقوتة تفجر نزاعا بين المجموعتين الكبيرتين لما لهذه المنطقة من مميزات زراعية يحتاج اقتصاد كل من الإقليمين، إضافةً الى انها تطل مباشرة على الفشقة الكبرى والتي مازالت في غرفة الانتظار للحل بين السودان وإثيوبيا. في ظل حقل الألغام هذه إذا نجحت الوساطة الأفريقية بالمساندة الأمريكية أن تعبر بالاتفاق ستكون إثيوبيا الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة بعيدة عن يد روسيا التي تتمدد في أفريقيا خاصة في غربها ووسطها. وإن استقر الأمر ستحول واشنطن ثقلها الكامل نحو الخرطومالأمريكية للعمل على بناء حلف لصيق بها في منطقة القرن الأفريقي ولن يقف هذا الأمر عند الخرطوم، لكنه سيمتد إلى أسمرا لكن ليست بتركيبة حكمها الحالي. هذه قراءة عجلى آمل ان اعود إلى الأمر بشكل أكثر توسعاً بعد أن تظهر ردود الفعل. * صحفي وخبير مختص بشؤون القرن الأفريقي