سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سلطات ولاية نهر النيل تعتقل 6 متطوعين من بينهم ثلاث ناشطات بعطبرة    كتائب «الإخوان» تقاتل إلى جانب الجيش السوداني اتهامات بتنسيقها مع تنظيمات إرهابية تستهدف الأجانب والمدنيين    الحركة الشعبية تحاصر مدينة الدلنج    شاهد بالفيديو فرحة لاعبي الهلال بالرقص والغناء في المغرب بعد التأهل لمجموعات أبطال إفريقيا    معتز برشم: الألعاب الآسيوية بمثابة الأولمبياد    أمانة الحج والعمرة بغرب كردفان تنظم ورشة لتقويم أعمال حج 1444 ه    ولاية سنار: وقاية النباتات تعلن مكافحتها لآفة الزرزور    والي القضارف يلتقي الإدارة الأهلية بوحدة باندغيو الادارية بالقلابات الغربية    لجنة تحقيق فض اعتصام القيادة في السودان: اتهام البرهان للدعم السريع يخضع للدراسة    المريخ يعود إلى السودان بعد اسبوع    د. حسن علي عيسى يكتب عن تأهل الهلال – هلال مبدع لا ريب فيه- وبورك في الشباب الطامحينا.    لاول مرة .. توازن الأطراف ايبولا و دياو    مكافحة المخدرات بولاية القضارف تضبط جوالات من مخدر القات    حلقات الضيق والحريق تقترب من الجنرال    انتظام تطعيم الأطفال بمحليات ولاية غرب كردفان بعد توقفه بسبب الحرب    أردوغان يتوعد بعد تفجير أنقرة: سنقضي على الإرهاب    شاهد بالفيديو.. المذيعة السودانية نورهان نجيب تثير ضجة غير مسبوقة وذلك بعد ظهورها وهي تبكي في حضن مطرب شاب خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تعود لإكتساح السوشيال ميديا بإطلالة مبهرة    شاهد بالصورة.. حسناء الإعلام السوداني تسابيح خاطر تخطف الأضواء وتلفت الأنظار بعد ظهورها وهي تتوشح بعلم المغرب    الثورة جديدة..ضد الانقاذ العنيدة..    شاهد بالصور.. جورجينا برفقة كريستيانو رونالدو في أحدث ظهور وأحلام تهاجمهما    «سرقة منظمة».. «الداخلية المصرية» تواصل ملاحقة «لصوص البطاطس» في العبور    حادث مروري بطريق المرور السريع عطبرة بورتسودان يؤدي الي وفاة عدد(3) اشخاص من اسرة واحدة    وزارة الصحة بغرب كردفان تستقبل لقاحات إضافية لتطعيم الأطفال    وزارة الصحة بسنار تواصل عمليات التطعيم الروتيني رغم الظروف الحالية    السفارة الروسية في ليبيا تسخر من تحذير واشنطن لحفتر بشأن التقارب مع روسيا    محامو الطوارئ: الجيش يعتزم فرض حصار على "أم بدة" بإعاقة وصول المواد الغذائية    لابد من إيجاد حلول.. "التشتت في عالم رقمي"    انهيار متسارع وغير مسبوق لقيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية    مانشستر يونايتد يستهل حملة الدفاع عن كأس الرابطة بفوز كبير    نونو غوميز: هذا موقفي من قرار اعتزال رونالدو في السعودية    الخناق يضيق أكثر على حكومة الانقلاب مع تهاوي الجنيه    وزير الدفاع الأمريكي يبدأ جولة افريقية تشمل جيبوتي وكينيا وأنغولا    نقابة الأطباء: حمى الضنك تحصد مئات المواطنين    حرب السودان..(داعش) على الخط!!    مصرع أكثر من 230 سوداني في فيضانات ليبيا    الحرب..بين الحكمة والقوة …    الله لا جاب يوم شكرك،،،    شاهد: شمس الكويتية تفاجئ جمهورها بردة فعلها بعد سؤالها عن مفهومها ليوم القيامة    بنك الثروة الحيوانية يعلن اكتمال عمليات الربط مع نظام سويفت العالمي (SWIFT)    خروج مساحات زراعية كبيرة هذا الموسم من دائرة الإنتاج بسبب الحرب    قد تقتلونا.. لكن لن تهزمونا    الأسطورة حامد بريمة    بالفيديو.. داعية: من حق الخاطب أن يرى ذراع ورقبة وشعر خطيبته – "مطبق في دول الخليج"    السلطات تضبط كميات ذهب ضخمة قادمة من الخرطوم    تسلمتها من زوجها بالدعم السريع..السلطات السودانية توقف امرأة"الحافلة السفرية"    انتشال جثث 13مهاجراً من دول أفريقيا    مقتل 6 مهاجرين على الأقل بعد غرق قاربهم    السودان..السلطات تعلن القبض على متهم الممنوعات    هكذا تبدو الخرطوم في الحرب.. (الكبريتة)    من الساخر نادر التوم (سخرية الواقع ..و واقعية السخرية)    مواطنو الثورة الحارتين (14 و58) بمدينة أم درمان يُناشدون والي الخرطوم بالنظر في قضية انقطاع المياه المُستمر بمناطقهم    مذكرات من الحرب اللعينة (13)    وصفها الجزائريون بالمعجزة.. رجل يسترد بصره فجأة داخل مسجد    نقل "أوراق امتحانات" يؤدي لمصرع شرطي وإصابة آخرين    الغرفة الفنية لحملة التطعيم بلقاحات كورونا بسنار تعقد إجتماعها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهرجان .. وعبقرية المكان
نشر في السوداني يوم 07 - 12 - 2012

غادرنا وادي حلفا في منتصف النهار ميمين وجه الجنوب.. برفقة الإداري المعتق والنوبي الباهر محمد عبدالمنعم والزراعي الفلاح الماهر النوبي عبدالحميد صالحين، تطوف بأذني الأغنية الأشهر في وجدان النوبة "ثلاثية النوبة" التي كتبها .النوبي المصري د. مصطفى عبد القادروظل صوت المغني النوبي غازي سعيد يدغدني.. "أي فجورنا بأي أنا.. حلفن فجوري باي أنا" وترجمتها "أفسحوا، الطريق فأنا ذاهب وحدي إلى حلفا.. سأذهب إلى هناك في الحدود تماماً لأجلس على الرمال.. فافسحوا، طريق" وهو حلم بالعودة إلى تلك الديار التي تتجول بين أطلالها الأسماك خاصة هذه الأيام عندما تنخفض درجة الحرارة فتغوص إلى الأعماق تنشد الدفء، غادرتها وأنا أحلم بالعودة مرة أخرى.
الذهاب إلى وادي حلفا حلم ظل يراودني منذ أمد بعيد، خاصة بعد عودة صديقي الأستاذ ميرغني ديشاب إلى هناك.. يقضي وقته في صومعته الطينية بمنزله العامر الذي استضاف ثلة من المبدعين خلال المهرجان.. وكان من ضمن البرامج المقترحة لتكريم "وردي الوطن" رحلة إبداعية إلى مهد الحضارات هناك.. ودائماً ما يبرز "ظربوناً" يفسد ما يدور بخلد المبدعين، حتى أتاحت لنا اللجنة القومية لمهرجان النوبة الأول للثقافة والتراث والسياحة بالتعاون مع مجموعة دال هذه الفرصة الذهبية لتحقيق حلم قديم.
تسعمائة كيلو متر قطعتها القافلة المتجهة من الخرطوم إلى حلفا.. أربعة بصات سياحية وعدد من السيارات الخاصة يتقدمها إسعاف تنهب الأسفلت مكتظة بالمبدعين والمتفقين، معظمهم يزورها لأول مرة.. بعضهم يعود بعد نصف قرن مثلي صديق الشاعر كمال حليم الذي غادرها في قطار الهجرة وعاد معنا.. لم تغمض عيناه طيلة الطريق.. ولكنها تدمع أحياناً.. لم نشعر بطول الرحله ولم يصيبنا الملل فالانسان الذي يزور دياراً لأول مرة يظل مشوقاً حتى يصل نهاية المطاف.. الذين حققوا حلم المهرجان.. ثلاث.. اللجنة المحلية.. واللجنة القومية.. ومجموعة دال، خاصة القائمين بمنتدى دال الثقافي.. فتحي والقدال ومحمد معتصم وبقية العقد الفريد الذين أذهلوا الحضور بدقة التنظيم، يعملون في صمت ويعرفون ما يريدون يتخذون قرارهم جماعياً.. يهتمون بالتفاصيل ولا ينتهي دورهم بانتهاء الحفل.. نصبوا مسرحاً جمع كل الفنيات من إضاءة ومؤثرات ذكرني مهرجان داكار للثقافة الزنجية الذي أدار فنياته فرنسيون مبدعون ولكن مجموعة دال تفوقوا عليهم فأذهلونا وأذهلوا الحضور من الأهالي المنسين على ضفة البحيرة فكان المهرجان تظاهرة سوف يؤرخون بها في المستقبل لأن سنة المهرجان تقاربت مع نصف قرن من الهجرة القسرية إلى الشتات.. ديسابورا داخل الوطن فتحت شهية الجار الجائر لنصب أسلاكه الشائكة لتصطاد.. سره شرق بلدة جمال محمد أحمد وسره غرب ودبيرة وأشكيت.. ويتربصون بأرقين بعد أن " لهطوا " حلايب .. " فين حلايب ؟ ".. فليكن الاحتفال بمرور نصف قرن على الرحيل وقفة لاستعادة النوبة السليبة التي غمرها فيضان الجحود.
زين المهرجان مشاركة المبدعين النوبيين القادمين من مصر.. حجاج أدول الروائي الذي يبحث عن مقعد يعطي للنوبة مواطنة كاملة تمسح من مخيلة المصاروة صورة البواب والهجاني التي دمغوا بها أبناء شعبه المغلوب و د. مصطفى عبدالقادر باحث التراث النوبي والشاعر الذي رفد النوبة هنا وهناك بثلاثيته الفارهة والشيخ الذي تعدي الثمانين محمد سليمان جدو كاب الشاعر النوبي العملاق الذي جاء إلى المهرجان متوكئا على عصاه للمشاركة دون مآرب أخرى.. وصديقي الذي أهداني مجموعته الصحفي والروائي يحيى مختار الذي رافق محمد خليل قاسم وشهد مولد "الشمندورة" خلف الأسوار وهو مصري يحمل وجهاً يصلح للسينما لأداء أكثر من شخصية
البلابل أخوات أحبة.. وقفن على خشبة المسرح يرتدين الجرجار وقدمتهن هادية بأن يغنين لأول مرة في وطنهن وصدحن بمزاج عال بدءاً بنور بيتنا و"قلبوا" للغناء النوبي وأعدن إلى الأذهان الشاعر النوبي العملاق الأستاذ علي صالح داؤود الذي تغلب على العرب بقصيدته "الهجرة" التي نالت قصبة السبق في مسابقة الBBC وشاركن بأغنيتين من شعره ولحنه.. سعدت بمعرفته في كسلا وأعتبر ابنه القاضي العادل عبدالرحمن صديقي ولكني لأول مرة أعرفه شاعراً غنائياً وملحناً.. ختمن فاصلهن الغنائي الطويل بأغنية "سمرا" والتي تغنى بها وردي وهي أغنية "مجادعات" من الممكن أن تستمر لساعات يتسامرون بها "قطع أخضر" وهي إحدى ملامح الأغنية النوبية.
هيرمان بل نوبي متفرنج عاش بينهم فأحبهم وأحبوه قضى بينهم.. زهرة العمر ونطق لسانهم وحفظ تاريخهم الذي قدمه في الفردوس المفقود.. كانت مشاركته وجدانية مرسومة بالوفاء والود.. أما المغنية الأمريكية الشابة "ري" فبذلت جهداً للغناء بالنوبية وكان قمة إبداعها في أداء مقطع من أوبرا عايدة إستطاعت أن تبرز فيه ملكاتها الصوتية.
شاركت العديد من الفرق المحلية والوافدة مثل فرقة "توشكي" التي قدمت من مصر والمغني النوبي الرائع غازي سعيد الذي استطاع أن يخطف ألباب الحضور بأدائه الرائع "للثلاثية النوبية" وعدد من الأغنيات..فنان شاب يملك مقدرات صوتية تتجول بين المساحات النعمية بارتياح.. صوت قوي وطروب شارك في الليلة الأولى مع أوركسترا "ذكريات ولولي" وقدم فاصلاً في الليلة الثانية بالغناء بآلة العود التي يجيد العزف عليه وقريباً سيكون في الخرطوم بمعجبيه من الناطقين بها وبغيرها فحضروا أنفسكم منذ الآن لمسك الخشب.
ما تعودت الوقوف بأبواب السلاطين.. ولا أصحاب السطوة في وطن صارت فيه السطوة للمال.. ولكنها كلمة حق أقولها في حضرة دال . درجت على حضور معظم منتديات منتدى دال الثقافية لأسباب عديدة أولها لأن من القائمين عليها صديق العمر الشاعر محمد طه القدال.. وثانيها. ما يقدمه منتدى دال من مواضيع تستحق عناء الهجرة إلى المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري وثالثها لأن المنتديات الثقافية في السودان يقوم بأمرها جمهرة من خارج القبيله فصار المثقفون حيرى بين تأبين وتكريم يعنون بهم الوفاء ولكنها ظاهرة غير صحية تعني خواء تلك المنتديات آخرها الحضور النوعي لمنتدي دال الذي لا يغشاه الرجرجة والدهماء ومن يأتي بهم الطريق أو "القفاف" من تبعه "على جناح التبريزي" والغاوون الذين يلحقون بركب المغنيين الذين لا يطربوني.. لا أتحدث عن صفوية ولكنه حضور نوعي يثرى الفعالية.. لا يبحثون عن أضواء الفضائيات وفلاشات الكاميرات.. جاء أسامة وفي معيته أسرته وهو في معيته "يويو" فتحية ابنة العمدة وشقيقه ايهاب ومعتصم وامير والمهندسه اميرة والدكتورة ايمان وثلة من اسرة داوود عبد اللطيف .. لم أطالع صورته في صحيفة بالرغم من كل "الهيلامانة" التي تعني "دال" ولكني شاهدته وهو "يهز" و"يبشر" ونوبي يرقص على إيقاع.. أعرف عنه بعده عن الأضواء و"جر العقل" و"تكسير الثلج" وما قدمه لهذا المهرجان يفوق "المليار" أريحية يجب الوقوف عندها.. ماذا اذا التفت "المروقين" من أمة الأمجاد للنهوض بمهد أجدادهم.. "دشر وما استبقى شيئاً" وجنى حب بني جلدته من غير الناطقين بعربية منبتة جاءت إلينا ومسخت هويتنا فاستعصت عليها أمة رماة الحدق.
رحلتي الأخيرة إلى بحيرة النوبة لم تكن إختراقاً عبر صحراء العتمور وديار الشايقية والقرى المتأرجحة بين الشايقية .. وديار الدناقلة والمحس.. وأرض الحجر.. لماذا لا نسميها أرض الذهب؟ "نوب" فقد انتشر "الدهابة" في ديار قفر .. قفر .. ولكن صخورها عروقها ذهب. حدثني أحد الأصدقاء بأنه قرأ في إحدى المواقع أن السودانيين يرصفون طرقهم بالذهب فكم من كيلوات الذهب رصفت هذا الطريق الذي يشق أرض الحجر.. حجر في الشرق ونهر على ضفتيه قرى أرض شحيحة في غربها تشرئب الطرابيل تحكى تاريخاً ومجداً تليداً تجاوزها القائمون بأمر الآثار ولكن صديقي القدال في "حاسوبه المحمول " مشروع طموح بالتعاون مع مجموعة دال للتوثيق للآثار التي اسقطها أهل الآثار من فرص حتى سمنة.. وحتى تلك التي تحت الماء، ألم يستخرج المصريون آثارهم التي كانت ترقد تحت الماء عند شواطئ الاسكندرية؟.. كنز تحت الماء تجاهلوه عن عمد.. أو لأسباب أخرى ولكن من الممكن الحصول عليه بمجهود فني وبرعاية أرشح اليونسكو أن يقوم بذلك ولا أظن أن مجموعة دال سوف يأتون أخيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.