بورتسودان قراءة ثانية :بالامس في هذا العمود عكسنا دهشتنا بما يجري في بورتسودان من تخطيط وتدبير تنموي وقلنا إننا وجدنا أنفسنا أمام وال من طراز جديد ولكننا لم نقل إن بورتسودان وبالتالي ولاية البحر قد تحولت الى جنة من جنان الله في الأرض ولم نقل إن الفقر والجوع والمرض قد غادروا الولاية الى غير رجعة ولم نقل إن بورتسودان أصبحت مثل جدة وإيلات والعقبة وعدن وجيبوتي أي رصيفاتها من موانىء البحر الأحمر وبمناسبة جيبوتي إن شاء الله نجد الفرصة لنحكي كيف أن عملية استثمارية ضخمة كانت متجهة لبورتسودان وأضعناها واتجهت الى جيبوتي فحولتها الى ميناء عالمي عصري. المهم سعادتنا وطربنا بالأمس كانا نسبيين لأننا غادرنا الخرطوم وهي تعج بالخطاب السياسي المأزوم من حكومة عريضة وتشكيل وزاري بائس وسيدين جديدين والذي منه فوجدنا في بورتسودان شيئا مختلفا (كنا زمن نفتش ليه) لذلك غنينا وفرحنا وأمسينا وصبحنا. يمكننا القول إن اختلاف البحر الأحمر عن غيرها من الولايات أنها حكومة وشعبا قد اتجهت للتنمية واستطاعت أن تقيم لها بعض البنيات الأساسية وأحاطتها بنوايا حقيقية أي أكملت المدرج للانطلاق فهذا الانطلاق يحتاج الى رأسمال لا يوجد لا في الولاية ولا في الحكومة الاتحادية إنما عند المستثمرين أجانب كانوا أم سودانيين ولهذا جاء هذا الملتقى الاستثماري الثاني. عليه فإن قضايا الاستثمار في السودان تنطبق على البحر الأحمر مع اختلافات طفيفة في صالح البحر الأحمر فتشريعات الاستثمار في السودان اتحادية ولكن المشكلة ليست في التشريعات إنما في الممارسات والمثبطات من مكوس وجبايات ولائية ومحلية وإجراءات تعسفية لا تكرّه في الاستثمار إنما في السودان ذات نفسه (راجعوا أدبيات الذين فروا من الاستثمار في السودان) قضايا الاستثمار يمكن أن ينظر لها من ثلاثة مستويات المستوى السيادي والمستوى المؤسسي والمستوى الشعبي ففيما يتعلق بالأول فإن الحكومة الاتحادية وضعت من التشريعات ما يجذب الاستثمار ولكن حكومات الولايات لديها ترسانة من القوانين ما يطفش الاستثمار. أما المستوى المؤسسي فمؤسسات الدولة كلها قائمة على المنع فكلمة تصديق تعني أن الأصل لديها هو المنع فالجهاز البيروقراطي يكرّه أعتى مستثمري الدنيا أما ثقافتنا الشعبية فحدث ولا حرج فنظرتنا للمستثمر كأنه حرامي جاء ليسرق أرضنا ويشرد أطفالنا او ننظر له على أساس أنه أهبل لديه فوائض أموال لابد من أن ننهش منها. في بورتسودان الوضع مختلف فحكومة ايلا سعت لإزاحة العراقيل عن المستثمرين لا بل شجعتهم بالبنيات الأساسية والأسعار التفضيلية للأرض والخدمات ويبدو أن مؤسسات الولاية مدركة لهذا الروح. أما ثقافة الاستثمار فهي الأحسن في البحر الأحمر لأن المواطن فيها تعلم على رؤية الغرباء منذ أقدم العصور ويدرك فائدة وجودهم بحكم الثقافة البحرية والأهم أن حكومة ايلا ربطت الاستثمار بمصلحة المواطن العادي المباشرة فالمسألة ليست توعية مجردة او حب عذري إنما فائدة ملموسة فالمواطن العادي عندما يرى أنه استفاد من الاستثمار في مأكله ومشربه ومسكنه فإنه سوف يدافع عنه بأسنانه وهذا يقودنا للحديث عن النعرات العنصرية المنسوبة للشرق كالبلويت وغيرها وهذا هو موضوعنا غدا إن شاء الله.