خرجوا يبحثون عن شيء (ما) بين صخور جبال وحجارها، فعادوا إلى منزلهم فرحين ب(أداة حتفهم)، ثمة شبه بين حادثة أمس (السبت) التي راح ضحيتها 8 أطفال (طلاب) مدارس، وحادثة الثاني من أغسطس العام الماضي التي قضى فيها 6 أطفال غرقاً في مجرى مائي. الشبه يكمن في مكان الحادثة منطقة (الفتح) بمحلية كرري، ويزيد في أن جميع الضحايا خرجوا في رحلة بحث، الأوائل كانوا يقصدون جمع (الخرد)، حسب ناجين. بينما ضحايا الأمس كانوا يبحثون عن شيء ما لم يكتشف بعد نسبة لموتهم جميعا، جراء انفجار (قرنيت). ماذا حدث بالضبط؟! منتصف نهار أمس (السبت) قرر 8 أطفال تتراوح أعمارهم بين (9 - 13) عاماً بينهم أشقاء، الخروج من منزلهم الكبير بمنطقة الفتح 3 مربع 1، هؤلاء الأطفال، الذين يدرسون بمدارس الأساس، خرجوا في رحلة بحث عن كنوز الأرض، الرحلة لا تخلو من اللهو بمناطق جبلية شمال مدينة الفتح، الأطفال هؤلاء ذهبوا بعيداً عن منازلهم يجوبون رمال وصخور الجبال الغنية بالمعادن الحديدية لا سيما أن المنطقة كانت (عسكرية)، أحدهم صرخ فرحاً بعثوره على جسم حديدي فالتفوا حوله جميعاً ثم قرروا العودة بهذا الكنز السمين ولا يدرون أنه (قرنيت) أو (أداة حتفهم). ثم ماذا بعد؟! الأطفال الأبرياء عادوا فرحين يتبادولون حمل (السجم الحديدي) في الطريق، حتى وصلوا منزلهم بالفتح 3 مربع 1، اتخذوا من باحته ميداناً لتفكيك هذه (الجسم) ثم شرعوا في عملهم وهم يلتفون حوله في شكل دائري، وما إن نزع أحدهم (فتيلة القرنيت) - ووقتها كان النهار قد اشتد حره وتضاعفت سخونته - انفجرت القنبلة ووقعت الكارثة، إذ تحول خمسة منهم إلى أشلاء في مشهد لا يُرى مرتين. وقتها هب جميع سكان المنطقة نحو المنزل المنكوب وتدافعوا إلى رؤية أكبر كارثة حلت بهم منذ إقامتهم فيها، وبعضهم لم يحتمل الموقف فعاد إلى من حيث أتى منهاراً، والبعض الآخر فضل الهروب خارج المنزل بعيداً من أطراف الصغار المتناثرة في الفناء، وصراخ ثلاثة أطفال يعانون إصابات بالغة، نقلهم من امتلك الشجاعة في مواجهة ألم الصغار إلى مستشفى الفتح لكنهم فارقوا الحياة ولحقوا برفقائهم الخمسة. هثيم يروي عند الساعة الثانية بعد الظهر حضر الطالب هيثم محمد عمر إلى قسم الفتح 1، ملامحه تشير إلى أنه حضر مبلغا عن حدث مؤلم كما حملت تفاصيل وجهه (حسب مصادر السوداني). هيثم قال في حديثه للشرطة إن جسماً غريباً قد انفجر حوالي الساعة الثانية بعد الظهر داخل منزل بالفتح 3 مربع 1 وأسفر عن مصرع أطفال 5 أطفال حالاً و3 لاحقاً وهم (عزت نور الدين إبراهيم 11 عاماً - طارق حسن عبد الله 12 عاماً - يس حسن عبد الله 11 عاماً - مصطفى إبراهيم 11 عاماً - نادر محمد اسحق 12 عاماً - عبد المنان أبكر 13 عاماً - تامر أبكر عبد الله 10 أعوام - محمد عبده رمضان 9 أعوام). هيثم ذهب في بلاغه إلى أن الأطفال نظراً لقرب مكان سكنهم من المناطق الجبلية، خرجوا يلهون من الناحية الشرقية للجبال، وأثناء لعبهم عثروا على جسم غريب فحملوه وأتوا به إلى المنزل، لكنه انفجر فيهم وأسفر عن وفاة 5 منهم حالاً، وأسعف ثلاثة آخرين إلى المستشفى، بيد أنهم فارقوا الحياة متأثرين بجراهم. الشرطة تتدخل مضابط قسم شرطة دونت حديث هيثم وخفت قوة منها إلى مسرح الحادثة، ونسبة لكبر حجم الحادثة أحالت الأمر إلى مدير شرطة المحلية الذي خف إلى مكان الحادثة يرافقه مدير الجنايات بشرطة المحلية ومديرو المباحث بجانب فريق من الأدلة الجنائية (مسرح الحادث)، فضلاً عن فريق آخر متخصص في المتفجرات، هذه القوة أمنت مكان الحادثة تحسباً لوقوع أي طارئ، فيما باشرت الفرق المتخصصة عملها وأحالت الجثامين إلى مشرحة أم درمان للتشريح، وشهدت المشرحة أكبر تجمع (حزين) منذ بداية هذا العام. مضابط شرطة الفتح سجلت بلاغاً بالوفاة في ظروف غامضة، وفتحت تحقيقاً واسعاً فضلاً عن إرسالها عينات من الجسم المتفجر إلى المعامل الجنائية. منطقة خطرة ذهبت مصادر (السوداني) إلى أن مناطق الفتح بمربعاتها المختلفة الواقعة بالقرب سلسلة جبلية محدودة هي مناطق خطرة، على السكان، مشيرة إلى أنها كانت في السابق مناطق عمليات عسكرية قبل أن تكون مأهولة بالسكان. وحذرت المصادر المواطنين الذين يقطنون فيها ونبهتهم بمراقبة أطفالهم حتى لا تتكرر مثل هذه الحادثة. ضحايا القرنيت حسب مضابط الشرطة فإن أول يوم من يناير العام الجاري شهد حادثة انفجار قرنيت راح ضحيتها طفلان وإصابة طفلين آخرين بولاية القضارف، بمحلية قلع النحل. وفي مطلع مارس من العام 2017 لقي (5) أطفال حتفهم بانفجار قنبلة قرنيت بمحلية القريشة بولاية القضارف، بعد أن أحاول الضحايا نزع فتيلة القرنيت أثناء لهوهم. وفي ذات العام وقع انفجار مماثل بمدينة الضعين أسفر عن مصرع طفلين وجرح أربعة آخرين. الآثار النفسية استشاري الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية بروفيسور علي بلدو يذهب في حديث سابق ل(السوداني) إلى أن فقدان الأسر لأطفالها بهذه الصورة يعتبر نوعاً من الحريق النفسي قبل أن يكون حريقاً طبيعياً بالنيران، وأضاف: من ناحية فقد الوالدين لأبنائهما مبدئياً فهو يمثل صدمة نفسية كبيرة للغاية فضلاً عن أن يكون بهذه الطريقة البشعة التي تؤدي إلى صعوبات كبيرة يكون فيها الألم مضاعفاً يؤدي إلى الدخول في صدمة حادة قد تتسبب في موت أحدهما خصوصاً الأم، أو الدخول في حالة نفسية حرجة تصاحبها أعراض غريبة كعدم النوم وفقدان الشهية والبكاء المتواصل. وأضاف: في مثل هذه الحالات يجب عرض المتأثرين من الوالدين فوراً على طبيب نفسي من أجل تقديم الدعم النفسي اللازم لهما ومن ثم عمل المعالجات السلوكية والدوائية والإدراكية والمعرفية حتى يتمكنا من إخماد هذا الحريق النفسي الذي أصابهما جراء فقدها لفلذات أكبادهما. المدينة الآمنة يرى مراقبون أمنيون، ويصرح مسؤولون بأن العاصمة الخرطوم تعد من آمن عواصم العالم، ويعزز هذا الزعم كثير من الأجانب في مقابلات تلفزيونية محلية، ومقارنة بكثير من العواصم العالم فإنها كذلك لكن ثمة انفجارات (قرنيت) بدأت تقع في الخرطوم وتسفر عن ضحايا، ورغم عن أنها غير مفتعلة لكن المراقبون يرون أنها تحتاج إلى مزيد من إحكام السيطرة على هذا (الأجسام الخطيرة)، حتى لا يموت الأطفال في المدينة الآمنة.