في كراكاتير ذكي ولماح نشر قبل أيام... الرجل يحمل الصحيفة المكتوب عليها خبر اعتزال السيد الصادق لموقعه فى الحزب ويقف بها قبالة دار الحزب الاتحادي الأصل... في انتظار تصريح مماثل من الميرغني، صاحب الكاركاتير فات عليه (ربما) أن يرسل شخصاً آخر من شخصياته المضحكة ليقف بالصحيفة تحت لافتة حزب المؤتمر الشعبي ليشير بذات المدلول إلى حسن الترابي... هذا الثلاثي السبعيني أمد الله في أيامهم ومتعهم بالصحة والعافية، وهداهم للابتعاد عن الممارسة اليومية للعمل السياسي ووفقهم لترك مواقعهم الحزبية وأرشدهم للاشتغال بأشياء أخرى غير قيادة الناس المباشرة والمسيطرة والقابضة والتي تلقي بظلال وأعباء باهظة التكاليف والمردود على المشهد والمسرح السياسي.... مع الاختلاف في المقدرات الذاتية لكل منهم ولكنهم جميعاً ساروا في طريق متشابه يكاد يكون متطابقاً ومتماثلاً.. وذلك لتشابه منهج وطرق القيادة لكل منهم.. مع تكرار اعترافي بالتفاوت في الإمكانات لكل منهم... الصادق والميرغني وجدا إرثاً جاهزاً من (الأتباع) والاحترام والاتفاق على قيادتهما ولكن كلاهما بددا هذا الإرث.. بعد انفراد بالقيادة تجاوز الأربعة عقود .. ابتعد المقربون وتمرد الأقارب وأصبح لكل حزب ما لا يقل عن عشر لافتات أخرى غير المنقطعين عن العمل والمجمدين نشاطهم، كلا الرجلين بدد مخزون الولاء في مناطق نفوذه التاريخي بسبب الانكفاء على مصالح وأولويات أسرية.. الترابي صنع إرثه بيديه.. بعرق لسانه وخطاباته الفكرية والسياسية جمع حوله الكثير من الأتباع والمعجبين والمريدين ثم وكأنه معجب بغريميه فأخذ عصا (السيطرة) (والعجب والاعتداد بالذات) ففرق شمل جماعته.. بعضهم إلى القصر وبعضهم إلى التمرد وبعضهم معه وليسوا معه... الزعماء الحزبيون الثلاثة المدنيين فشلوا في استبقاء الديمقراطية مع أن مجموع أتباعهم يمثل كل قاعدة النظام الديمقراطي (كجماهير) ثم كلهم مد يده للأنظمة العسكرية التي حرفت طريق الممارسة المدنية، الترابي كان في جيبه في كل حين مشروع اتقلاب جاهز وعبارة (اذهب إلى القصر رئيساً)... الميرغني كانت برقيات التأييد والمباركة جاهزة في جيب الجلابية الختمية الشهيرة... الصادق كان طريق مناوراته ثم التقائه مع هذه الأنظمة جاهزاً للاقتران معها بصيغة نداء وطن أو قسم ولاء لحزبها الحاكم (الاتحاد الاشتراكي مثالاً)... ثلاثتهم نجح في بناء شخصية صنمية رمزية داخل قلوب أتباعه... الميرغنى يدير حزبه بنفوذ رجل الدين المتصوف المملوء بركة ويمن. الصادق انتزع من أعضاء حزبه بيعه دينية أسماها المبصرة والترابي وضع على رأسه تاج رجل الدين المجدد وجعله محور التفاف أتباعه.... المدهش أن ثلاثتهم يفكر في إنجاز مشروع تفسير القرآن وإعادة كتابة التاريخ الإسلامي دون أن ينجز أحدهم مسودة دستور ليبرالي حقيقي لحزبه... ثلاثتهم يفكر في أمر اختيار خليفة له دون أن يجدوا من يذكرهم أن الطرق الصوفية والكيانات القبلية والأسرية وغيرها هي المسموح فيها بأن يختار الكبير خليفته..أما الأحزاب السياسة فيجب ألا تكون فيها مواقع تسمى بالخلفاء.. هذه أحزاب سياسية يختار القادة فيها بطرائق مختلفة لاتتناقض ورسالة الحزب الديمقراطية... السيد الصادق أمد الله في أيامه ألمح في ذكرى عيد ميلاده السابع والسبعين إلى تفرغه في مقبل الأعوام القادمة إلى ست مهام حددها وذكرها بالتفصيل.. ومع أن المسافة بين أقوال الرجل وأفعاله تمرح فيها الكثير من الظنون السالبة... وكثيراً ماتخرج فيه المصداقية لسانها... فالناس وأضابير الوثائق تحفظ للرجل الكثير من الوعود المعلبة التي لم تفض يد التنفيذ لفافاتها مع أن تاريخ صلاحية تنفيذها قد ولت!! ولكن لابأس فكون الرجل قد بدأ في العزف على نغمة الاعتزال فهذا يعني أن أذن الرجل وعقله التقطت الكثير من رسائل وإشارات (الزمن) و (العمر)... ورغبات الناس... شيء واحد لا أدري لماذا فات على فطنة السيد الإمام وهو يتحدث عن اختيار خليفته في الحزب!! فأظن أن هذه العبارة بالتحديد هي التي قصمت ظهر الرئيس المصرى حسني مبارك... صورة الإمام عند البعض إيجابية ونظيفة ولكنها تهتز وتضطرب عندما يظهر سيادته في صورة أخرى جماعية أسرية.. الناس ينظرون للصورة الأسرية الأخرى ويقرأونها... علاء.. جمال.. سيف القذافي....وربما عائشة القذافي... سيدي الصادق راجع حديث عمر الفاروق عندما قالوا له عين لنا ابنك عبد الله خليفة.. فرد بقنوت.. حسب آل الخطاب أن يسأل منهم عن حالكم واحد... سيدى الإمام لاتثقل عليك موازين السؤال فحسبك أن تسأل وحدك عن كل هذا التاريخ الطويل من (ضياع الأنصار) في ماضيهم.. فأترك لهم مستقبلهم.