اجيزت الموازنة العامة بعلاتها وتناقضاتها وتحديداتها وبسحب مبلغ ترليون جنيه بالقديم عن رفض زيادة البنزين, ولم يوضح لنا البرلمان ولا وزير المالية من أين وكيف يعوض هذا الرقم حتى لا تنهار ميزانية الدولة من النصف الأول من العام المالي. لا بل أن السيد وزير المالية بعد إجازة الموازنة أطلق تصريحات خلال تنويره للوزراء تفيد أن الموازنة تستهدف زيادة الانتاج والإنتاجية في القطاع السلعي بما يسهم في تحقيق الإكتفاء وإحلال الواردات وزيادة الصادرات بما يحقق التوازن المطلوب في ميزان المدفوعات وأنها تستهدف أيضاًَ المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو في حدود 3.2% ودعم القطاعات الإنتاجية وجذب المزيد من الاستثمارات وتوسيع الفرص أمام القطاع الخاص الوطني. بالله عليكم كم مرة سمعتم مثل هذه الأهداف عند إعلان أية موازنة من عهود التقشف إلى عهد البترول ثم التقشف مرة أخرى.. وكان من الممكن أن تكون المالية صادقة وشفافة لو قالت لنا أنها ستواجه مشكلة موارد وتهئ المواطنين لذلك خاصة مع عدم إجازة البرلمان لزيادة البنزين والتي كانت ستشكل وفوراته مبلغاً ليس بسيطاً.. كان على المالية أن تشير إلى أن متطلبات الحكومة العريضة ستضعف أو على الأقل ستؤثر على مجهوداتها في خفض الصرف الحكومي في المركز والولايات. في الحوار الذي أجرته أمس (الرأي العام) مع السيد وزير المالية ذكر أنه يتقاضي راتباً في حدود (11) ألف جنيه.. فاذا كان المبلغ هو نفسه بكافة إمتيازاته فأعتقد أنه مبلغ بسيط جداً لا يوازي ما يقوم به الوزير لكن التناقض هنا أن خمسة آلاف من ذلك المبلغ تذهب كبدل سكن.. يعنى المرتب لا يتجاوز ستة آلاف أي ما يعادل 45% من صافي الدخل يذهب للسكن.. لا أستطيع إستيعاب هذا التناقض، كيف يعيش شخص في موقع دستوري أو تنفيذي على ستة آلاف شاملة الإعاشة والصحة والتعليم لابنائه وكيف يكفي هذا المبلغ خاصة للذين في معيتهم أكثر من أسرة كما في حالة وزير المالية الذي أوضح للأخ شبارقة أنه ساكن في بيته ومؤجر بيت تاني. الوزير في ذات الحوار نفى أن تكون البلاد قد فرطت في مورد العملة الصعبة ويبدو أنه يقصد موارد البترول فهو يعتقد أنه في هذه الفترة إنجزت مشروعات كثيرة نحن إحتفلنا بسد مروي وإفتتحنا مصانع وطرق، نتفق مع الوزير في الإحتفال بسد مروي وبالطرق لكن من المؤكد أننا نختلف معه في عدم التفريط في موارد العملة الصعبة فنحن لم نوجه تلك الموارد إلى الإنتاج الزراعي ولا إلى تنمية قدرات الصادرات غير البترولية. سد مروي الذي إحتفلنا به جاء عن طريق القروض أما المصانع التى إحتفلنا بها فهي ليست ملك الدولة ولم تصرف عليها الخزينة العامة هي منشآت تخص القطاع الخاص، في جانب الطرق والجسور صحيح أن الصرف كان من الحكومة لكن كثيرين يرون أنه سوء تقدير أولويات من الحكومة لأن الهم الأكبر كان من المفترض أن يوجه إلى قطاعات الإنتاج وبالتالى فان الحكومة فرطت في العملات الحرة وذهبت بها في غير محلها. على العموم نحن نشفق على السيد وزير المالية لما قد يلاقيه خلال العام بسبب ضغوط الإيرادات وزيادة المصروفات.. خاصة مع عدم تحقق الإيرادات المتوقعة من البنزين وصعوبة الحصول على إيرادات تأجير الخط الناقل لبترول الجنوب.