موظفون خارج الخدمة ومرتباتهم (مااااااااشة)! أشباح في كشوفات الأجور! وزارة العمل آخر من يعلم؟! ثغرات كثيرة حملها تقرير المراجع العام الذي تُلي أمام (نُوَّاب الشعب) بقبة البرلمان مؤخراً وما زالت أصداء ما ورد فيه تسيطر على الساحة نسبة لما حواه من الكثير المثير، إيماناً منه بتمليك الرأي العام حقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة وتسليط الضوء عليها بوضعها على منضدة التشخيص لمعرفة مكامن العلة. ومن بين تلك الثغرات ما ورد في فصل تعويضات العاملين الذي كشف التقرير خلاله عن عدد (316) موظفا تقدموا باستقالاتهم وما زالت أسماؤهم بكشوفات الأجور لم يتم رفعها، حالة من الذهول أصابت الجميع وقتها وبدأ سيل من الأسئلة ينهمر: كيف تستمر مرتبات هذا العدد من الموظفين دون أن ينتبه أحد في وقت تنادي فيه الدولة بالسياسات التقشفية؟؟ وأين جهات الاختصاص المسؤولة؟ وما هو دورها؟؟.. أسئلة كثيرة تشغل أذهان الناس.. (السوداني) تحرَّت في الأمر بوضعها له على منضدة التشريح وذلك باستنطاقها لعدد من الجهات.. لكن لو سألتم عن المضحك المبكي حقيقة في هذا الموضوع نقول لكم بكل صدق إنه عدم إلمام جهات كان من المفترض أن تكون أول العارفين إن لم تكن سيدهم لكنها بكل أسف هي آخر من علِم!!... أما إذا سألتم عن السبب فنخبركم به في السطور القادمات. تحقيق: بثينة دهب تسليط الضوء دهشة اعترت وجوه الكثيرين عندما تلا المراجع العام تقريره لهذا العام أمام البرلمان وكشف من خلاله عن جرائم المال العام والمخالفات المالية للفترة من سبتمبر للعام (2011) وحتى أغسطس من العام (2012) والتي بلغت (175 مليون) وسط زيادة للتجاوزات بالولايات عما كانت عليه العام الماضي فيما لم يتم تقديم (25) وحدة حكومية لحساباتها للمراجع حتى إعداد التقرير وتقديمه للبرلمان. وتحديدا عند مراجعة بند تعويضات العاملين ببعض الأجهزة القومية جاء فيه أن الصرف الفعلي لتعويضات العاملين حتى نهاية ديسمبر (2011) مبلغ (9.5) مليارات جنيه بتجاوز قدره (1.6) مليار بنسبة (20%) من جملة اعتمادات تعويضات العاملين للعام (2011) وأهم ملاحظات مراجعة العاملين ببعض الأجهزة القومية التي جاءت في سياق التقارير التفصيلية التي أعدت بنتائج مراجعتها من خلال مراقبة الصرف وتشترك فيها أغلب الوحدات ومن تلك الملاحظات اخترنا تلك الملاحظة لنسلط الضوء عليها لأنها وبحسب الكثيرين مثلت مفاجأة من العيار الثقيل كيف لا والمراجع العام يقرأ من تقريره فقرة تؤكد أن (316) موظفاً بكشوفات الأجور ما زالوا مسجلين برغم أنهم تقدموا باستقالاتهم. بمعنى أن هؤلاء (القوم) منهم من انتقل إلى الرفيق الأعلى وكذلك منهم من ترك القطاع العام وتوجه صوب القطاع الخاص بل منهم غادر البلاد بأسرها للبحث عن رزقه خارج الوطن، لكن مع كل ذلك ما زالت مرتباتهم تنزل كل شهر وكأن شيئاً لم يكن. مؤسسات مستأسدة! وبالطبع فإنَّ مثل هذه الحالة يصُعب حدوثها إلا في السودان، ولذلك كان بديهياً أن تجد استهجان كل من تحدَّث إلينا حولها، لكن يبقى السؤال الأول والبديهي عن أسبابها.. عدد من خبراء الاقتصاد الذين تحدثوا ل(السوداني) أرجعوها إلى ضعف المراجعة الداخلية بالمؤسسات الحكومية باعتبارها أحد الأسباب التي أدت إلى انهيار الخدمة المدنية. يقول الخبير الاقتصادي د. حسن أحمد عبدالعاطي: هذه مسألة خطيرة جداً أن يكون موظفون بهذا العدد قد تركوا وظائفهم وما زالت مرتباتهم بكشوفات الأجور وإن دلَّ ذلك إنما يدل على مؤشر الفساد الذي يضرب بعض مؤسساتنا العامة، كما أنه ينمُّ عن أن كل وحدة أو مؤسسة هي سيدة نفسها وكثير من المؤسسات موظفوها انتقلوا إلى الرفيق الأعلى أو التحقوا بمؤسسات خارج الوطن لكن ما زالت مرتباتهم مستمرة وهذا مؤشر لوجود فجوة كبيرة في الإدارة الداخلية وغياب المتابعة والمراجعة الداخلية. وليس ببعيد عن الإفادة التي ساقها عبدالعاطي تحدث إلينا أيضا الخبير الاقتصادي د. عبدالحميد إلياس قائلا: إن تلك الحالة تستخدمها بعض المؤسسات في الفصل الأول وتستخدم تلك المرتبات في الفوائد أحيانا، وحتى لو كان ذلك صحيحا فهذا مفهوم خاطئ، لكن هذا ما يحدث داخل المؤسسات تقريبا لسد النقص، وهو في حد ذاته مؤشر خطير، وأحيانا قد يكون مستخدما لأهداف غير ذلك، وفي كل الحالات هو مدخل واضح للفساد يجب حسمه. وختم د. إلياس بأن الحسم الذي يقصده هنا هو الذي ينبغي أن يتم عبر ضبط المراجعة الداخلية وذلك عن طريق الصرف بعد كل ثلاثة أشهر عبر شباك الصراف بقسم الحسابات على سبيل المثال بدلا من استخدام الصراف الآلي الذي قد يؤدي استخدامه إلى عدم كشف مثل تلك الظاهرة. نعم ولكن! ما جاء في تقرير المراجع العام بخصوص هذا العدد ما هو إلا حالة لعملية غش وتزوير واضحة جدا.. بتلك العبارة ابتدر المراجع العام (الأسبق) لجمهورية السودان محمد علي محسي حديثه ل(السوداني)، مضيفا أن المؤسسات جزء أصيل في تلك الظاهرة، إذ كيف تكون هناك مرتبات لأشخاص لا وجود لهم؟!، وفي مقارنة لهذه الظاهرة بين الآن وسابقا أجابنا محسي قائلا: كان من المفترض أن يوضح التقرير تفاصيل عن هذا العدد وتحديد مواقع هؤلاء الموظفين هل تنحصر في العاصمة فقط أم أن الولايات كذلك لها نصيب؟.. وعن وجود مثل هذا الفعل أقر الأستاذ محسي بوجوده سابقا في أقسام مختلفة بالولايات لكن أكد أن المبالغ كانت بسيطة لعمال اليوميات مثلا، فكانت أغلب المشاكل تنحصر في تزوير الكشوفات ومرتبات لأشخاص لا وجود لهم لكنها مبالغ بسيطة. وعن طريقة معالجة تلك الظاهرة ختم محسي حديثه بأن الحل الوحيد والجذري هو تقديم مثل هؤلاء للمحاكمة وتحصيل كل الأموال التي صرفت خلال فترة تركهم للعمل. موطن الخلل ديوان شؤون الخدمة المدنية القومية هو المسؤول عن الخدمة على المستوى القومي. ومن اختصاصاته مراقبة تطبيق سياسات ونظم ولوائح إجراءات الخدمة المدنية القومية وأيضا القيام بمهام التفتيش والمتابعة ومراجعة شؤون الخدمة لذا توجهنا صوب الديوان وجلسنا إلى مديره الطاهر محمد سليمان الذي أكد أن من صميم عمل الديوان المتابعة من خلال تفتيش دوري يقوم به ضباط شؤون الخدمة وبعدها تعد تقارير ترفع إلى الجهات المختصة موضحة فيها مواضع القصور. ويرجع الفريق مرة أخرى إلى المؤسسات للوقوف على ما جرى بعد ذلك لكن ما يساعد على نجاح تلك الرقابة هو الرقابة الداخلية في المؤسسة نفسها فهي مكملة للدور. ويعد المدير أو الوكيل في المؤسسة هو المسؤول الأول. وأضاف الطاهر أن تحديد الجهات التي يعمل بها هذا العدد كان يسهل مهمة الوصول إليهم لاتخاذ الإجراءات المناسبة، فالاستقالة أمر مشروع لكن ما ليس مشروعا صرف مرتبات بغير وجه حق فمثل تلك الظواهر كانت قديما في الولايات حيث تقدم كشوفات وهمية. أما عن ضوابط تلك المخالفات فحدثنا الطاهر أن الأمر يكون بالانتظام بسجل الوظائف فإذا غاب الموظف (45) يوما متصلة بدون عذر مبرر يعتبر مستقيلا ويسحب اسمه من السجلات وبالتالي يسقط من كشوفات الأجور. وختم الطاهر حديثه بأن المحاسبة لن تسقط عن المخالفين وسوف يكون هناك تنسيق بيننا وبين المراجع العام لمعرفة مواطن هذا الخلل وتقوية الأجهزة الرقابية القبلية والبعدية بتلك المؤسسات. وزارة العمل آخر من يعلم؟! وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل هي الجهة التي كانت لنا معها وقفة باعتبار أنها تمثل الضلع المهم في هذا التحقيق.. ولذا كان واجبي – أنا المُحرِّرة- أن أقوم بمخاطبتها عبر مكتب الإعلام الخاص بها وانتظرت قرابة الأسبوع لكن لم يأتني رد فذهبت مباشرة بعد ذلك إلى مكتب الوكيل، الجهة التي حولني إليها إعلام الوزارة ليطلب مني الموظف معاودتهم بعد إطلاع الوكيل على التقرير وقبل ذلك أن يكون هناك تنسيق بين السكرتارية حتى يتم تنظيم المقابلة، قمت بتنفيذ (العمليات) بحذافيرها فتركت رقم هاتفي وتكررت الاتصالات تباعا بمكتب الوكيل، وفي كل مرة تأتي الإجابات من شاكلة: "الوكيل عندو اجتماع... الوكيل في مجلس الوزراء وهكذا"... وبعد رحلة انتظار قاربت الشهر ردوا عليَّ بأنهم لم يجدوا النقطة التي تشير إلى أن هنالك (316) موظفا تقدموا باستقالاتهم وما زالت اسماؤهم بكشوفات الأجور. فأخبرتهم أنها في فصل تعويضات العاملين وهو فصل موجود في تقرير المراجع العام وبإمكانهم الاطلاع عليه.. لكن رغم كل ذلك لم نحصل على أي رد من وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل لا بلقاء الوكيل ولا حتى رد مكتوب من سيادتهم.