لينا يعقوب فعلٌ لن يُنسى! ويذكر أحد القادمين من لندن أمامي اسم (ع.ب.ف) السفير السوداني السابق لدى هولندا (الذي سرق مالا ثم هرب) فحاسبته الحكومة في العلن وتركته وسامحته في السر!! إن يسرق أحدهم شيئا من شخص أو جهة لهو فعل شنيع مخجل، لكن أن يتجرأ بسرقة المال العام يكون حينها قد ارتكب أقبح الجرائم السماوية والوضعية.. وأيضا إن سرق السارق مرة أو مرتين لوجد من تعاطف معه، وتفهم فعلته وسامحه، لكن أن يمتهن السارق السرقة بدم بارد فلا يهتز له رمش، ولا يراوده تأنيب ضمير، كأن شيئا لم يكن، لهو حق شيء لا يمكن السكوت عليه أو حتى نسيانه! حينما ابتعثت وزارة الخارجية ذلك السفير إلى هولندا عام 1998، ما كانت تدري أنه سفير سيتسبب بفضيحة يصعب إخمادها.. لقد مثل السودان لمدة أربع سنوات شر تمثيل، فكان يتحصل على الأموال التي ترسلها الوزارة إلى السفارة، فيأكل أموال الدبلوماسيين والموظفين لعدة أشهر ويحن قلبه بعد ذلك فيمنحهم مرتب شهر، ليعود إلى ذات الفعل الشنيع.. استمر هكذا لمدة ثلاث سنوات، غير أن الفاجعة تمثلت في عدم اكتفائه باختلاس تلك الأموال إنما اتجه لآخرين..! وقبل الذهاب لأولئك، قد يطرح أحدهم سؤالا لماذا لم يتم اكتشافه أو التبليغ عليه من قبل منسوبي السفارة؟ والسبب أن سكوتهم كان اعتقادا منهم أن السودان (كعادته) يعاني أزمة اقتصادية لا تجعله ينتظم في إرسال مستحقات موظفيه، وحينما بدأت الشكوى تتردد على مسامع (الوزارة) بالخرطوم، أخذ الأمر وقتا أطول لاتخاذ التحقيقات ومن ثم الإجراءات المحاسبية! (ب.ف) لم يكن يدفع إيجار مبنى البعثة السودانية، وأيضا كان مطالب من قبل (مؤجر) المنزل، فمر عام كامل لم يدفع له فلسا.. تكالب عليه الدائنون إلى أن نجح تاجر يهودي في فك الشفرة!! استدان السفير من ذلك التاجر مبلغا كبيرا ورهن له مقابل ذلك سيارته الخاصة (التابعة) للسفارة، وحينما حان موعد السداد، تخلف عن الدفع كعادته، ولم يتمكن التاجر اليهودي من الحصول على السيارة (المحصنة) بموجب القانون، ففكر طويلا وقرر ثم فعل! اتصل التاجر بسفير السودان في لندن حينما علم بزيارة من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية آنذاك د.مصطفى عثمان إسماعيل إلى عاصمة الضباب، حيث نسق مع السفير بأن يلتقي به، فسافر التاجر والتقى بالوزير ناقلا له شكواه، تحسس حينها د.مصطفى من الموقف ووعد التاجر بأن تُرد أمواله، وعاد إلى الخرطوم طالبا التحقيق في تجاوزات (ب.ف) المالية! في ذلك الوقت قدم السفير طلب لجوء إلى لندن وسارع بالسفر إلى هناك، وفي هولندا قامت وزارة الخارجية بترتيبات (مرحلة انتقالية) للسفارة، أما هنا في الخرطوم فقد سُئل مصطفى عثمان إسماعيل عن هذه الحادثة وقال عبارته الشهيرة "لكل جواد كبوة"! المبلغ المختلس قُدر في الإعلام ب250ألف دولار، غير أن الحقيقة التي لم تُذكر كانت مليون دولار!!! طلبت الحكومة السودانية من المملكة المتحدة رسميا تسليم السفير عبر الانتربول، ولأن القواعد المتبعة تتطلب ملء (النشرة الحمراء) والتي تحتوي على أسئلة تتضمن معلومات عن مرتكب الجريمة، وعن الجريمة المرتكبة ذاتها، وعن العقوبة التي تنتظر المتهم وفقا للقانون الجنائي لبلده. وجاء في تسليم النشرة الحمراء أن عقوبة مرتكب الجريمة هي (الإعدام)، فكان ذلك كافيا جدا بأن تمتنع المملكة المتحدة عن التسليم، ولا داعي للإكمال!! إن التاريخ لا ينسى، والشعب حينها لن يرحم (من ارتكب الجريمة) ومن (لم يحاسب المجرم).. يعيش (ب،ف) طليقا في شمال بريطانيا، يستمتع بأجوائها وضبابها بعد أن اختلس ما يقارب المليون دولار، أنفقها كما أنفق كلوديوس ونيرو أشهر أباطرة الرومان أموالهم في القمار!! هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته