لماذا تنافسنا الدول الغربية حتى في الخطأ ... نعم حتى في (القمع الكريه) و(المحظورات الإعلامية) أداؤهم أفضل منا وسأضرب مثالا لذلك ... من الممنوعات عند الغربيين قضية (معاداة السامية) و (التشكيك في الهولوكوست) وعندما كتب روجيه غارودي مقالا في اللوموند الفرنسية ومعه قسيسان اشتركا في كتابة ذات المقال .... ثارت ضجة واتهمت اللوموند بمخالفتها للثوابت ... ولذلك أوقفت اللوموند قلم روجيه ثم تبعتها كل الصحف ولم تعد تنشر له مقالاته حتى ولو كتب في الشعر والرياضة. ثم ألف كتابه الشهير (الأساطير السياسية المكونة للدولة الإسرائيلية) ... حاكمته المحكمة في العام 1998 بسنة سجن ومنعت كتابه وغرمته ما يعادل 300 ألف دولار، يعني ما يقارب 2 مليار جنيه سوداني (بالقديم)..! بالتأكيد كلنا ضد ما حدث لروجيه ... ولكنني أتوقف في نقطة هامة وهي سبب إيرادي للمثال وهي أن الحكومة لم تمنعه من الكتابة ولكن الصحف هي التي امتنعت عن نشر مقالاته. هنالك (امتناع) عن قناعة لا (منع) ... هنالك (انضباط) لا (ضبط) ... هنالك اختيار مؤسسي منهجي لا إجبار وإرغام حكومي .... هنالك قيود للحريات ولكن المجتمع الصحفي هو الذي يقيد نفسه وفق اختياره الحر. مع رداءة هذه الثوابت في فرنسا دعونا نفكر في ثوابت حميدة في السودان .... ولتتحمل الحكومة مسئوليتها قبل أن تطالب الصحفيين بذلك ..! دائما ما تتخذ الحكومة إجراءات استثنائية في مواجهة الصحفيين والمؤسسات الصحفية وتشتكي الحكومة من ضعف المهنية وسط الصحفيين وقد يرتبط ضعف المهنية بالتوغل في القضايا الوطنية بطريقة سالبة والحكومة محقة في هذا الربط بين (المهنية والقضايا الوطنية) ولكن من يتحمل المسئولية في ضعف المهنية؟! في تقديري أن ضعف المهنية وسط الصحفيين والمؤسسات الصحفية مسئولية الحكومة ذاتها وليس الصحفيين ولا مؤسساتهم. أنا لا أبرئهم ولا أنحاز لقبيلتي المهنية بطريقة عمياء ولكنني أقرأ أخطاءهم في (السياق السليم) ومع هذه الأسئلة الاستقصائية ستتضح صحة وجهة نظري: من أي جامعات تخرج هؤلاء الصحفيين؟! وهل جاءوا للصحف بهذه اللغة الركيكة والذهنية المشوشة من بيوتهم أم بشهادات معتمدة من وزارة التعليم العالي ومن جامعات حكومية في معظم الحالات. من أين جاءوا بالعنف الطلابي والتطرف السياسي؟! لماذا لم يتطوروا أثناء العمل؟! من المسئول من تطويرهم ومعالجتهم؟! أليسوا هم في مؤسسات عليها رؤساء تحرير مجازون من مجلس الصحافة؟ هل هؤلاء (الرؤساء) مستوفون للشروط أم استثناهم المجلس بضغوط سياسية؟ أليسوا هم في مؤسسات يراقبها مهنيا وإداريا وماليا مجلس الصحافة؟! الحكومة الآن تفكر وتخطط في المدينة الإعلامية وهذا اهتمام بالمباني لا المعاني، هل طورت الحكومة الأجسام الموجودة (وعلى رأسها مجلس الصحافة) لتخطط لضمها في كيان واحد؟! لماذا أبقت الحكومة على الأمين العام للمجلس في وضع (عدم التفرغ) لمدة سنتين ثم عادت لتصوب الخطأ بعدما تحدثت كثيرا ورطنت بكل اللغات عن ضعف المهنية والوطنية الصحفية. الحكومة سجلت اعترافا ضمنيا بالخطأ بعدما شرقت وغربت في القرارات ثم عادت للمربع الأول ولذلك دعونا نفتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة بعد عودة العبيد مروح ولنتحدث عن ضرورة تعزيز دور المجلس وتعديل القانون. دعونا نعترف بأخطائنا في الوسط الصحفي مقابل أن تعترف الحكومة بأخطائها وتتخلى عن الإجراءات الاستثنائية لأن هذه الإجراءات تشوه المهنة وتخفف المسئولية عن الصحفيين ورؤساء التحرير لأن سلب الصلاحيات يعني رفع المسئولية.