كامل عبد الماجد عمت شهرت الافاق وسارت باسمه الركبان وتفوق بعلمه الوافد في اداب العرب والفرنجة على الأولي واللاحقين وبرحيله- ولكل أجل كتاب- جف بحر دافق من المعارف والعلوم.. ذلكم هو العلامة عبد الله الطيب وهو غنى عن التعريف ولاتحبط كلماتى هذه ولاتفى بفضله على أمته العربية جمعاء بما قدم وماخلف من معين معرفى. ويكفى البروفسير العلامة ماقاله عنه عميد الادب العربي طه حسين حين قدم له مسودة كتابة المعروف "المرشد الى فهم أشعار العربب" ليكتب له المقدمة.. أخذ طه حسين المسودة وملأته الدهشة وهو يقرأها فكتب: "هذا كتاب ممتع الى ابعد غايات الإمتاع، لا أعرف أن مثله اتيح لنا في هذا العصر الحديث، ولست اقول عن ثقة وعن بينه، ويكفى أنى لم اكن أعرف الاستاذ المؤلف قبل أن يزورنى ذات يوم ويتحدث الى عن كتابة هذا ويترك لى أياما لاظهر على بعض مافيه ثم لم أكد اقرا منه فصولا حتى رأيت الرضى عنه والإعجاب به يفرضان على فرضا وحتى رأيتنى الح على الاستاذ المؤلف أن ينشر كتابه وأن يكون نشرة في مصر واخذ نف// بتيسير العسير من أمر هذا النشر وأشهد لقد كان الاستاذ المؤلف متحفظا متحرجا يتردد في نشر كتابة حتى اقنعته بذلك بعد الحاح منى شديد وقد يسر الله هذا النشر. وإنى لاسعد الناس حين أقدم الى القراء صاحب هذا الكتاب الاستاذ عبد الله الطيب وهو شاب من أهل السودان يكلم الان في جامعة الخرطوم بعد أن اتم دراسته في الجامعات الانجليزية واتقن الادب العربي علما به، وتصرفا فيه كأحسن مايكون الاتقان والف هذا الكتاب باكورة رائعة لاثار كثيرة قيمة ممتعة أن شاء الله. أنا سعيد حين اقدم الى قراء العربية هذا الاديب البارع لمكانه من التجديد الخصب في الدراسات الادبية أولا ولانه من إخواننا أهل الجنوب ثانيا وأنا سعيد بتقديم كتابة هذا الى القراء لأنى أقد اليهم طرفة ادبية نادرة حقا.".. هذا بعض ماقاله عميد الادب العربي طه حسين عن البروفسير الراحل عبد الله الطيب. فتأمل! الا يملأ هذا الحديث الذي ساقه الاديب العظيم طه حسين في حق أستاذنا عبد الله الطيب نفوس أهل السودان غبطة وانشراحا خاصة وأن في بعض إخواننا العرب من لايعرف عن كثير شئ.. ألم تعترض إحدى الدول العربية ذات يوم على دخول السودان في عضوية جامعة الدول العربية؟ هذا واذكر للأمانة أن الذي بصرنى ب بأهمية كتاب "المرشد" الصديق الأديب أحمد الفرجونى قد زارنى وقد سألنى وهو ينظر الى مكتبتى الكبيرة بمنزلى قبل عقدين من الزمان أن كانت كتبى تضم "المرشد" لعبد الله الطيب فأجبت: بلا... قال: كيف تكتب الشعر وأنت لاتملك "المرشد"؟ فحرصت بعد حديثة على اغتناء "المرشد" وظل الكتاب لسنوات عديدة بمكتبتى حتى أعرته لصديق وكعادة مستلفى الكتب غاب "المرشد" من مكتبتى. ولكن حتى أن ظفرت به مجددا هل يقرأ اولادنا الكتب ودونهم شبكات "النيت" التي جعلت من يقرأ الكتب فقط ابناء جيلنا. الا يجد ابناؤنا المتعة كما نجد في القراءة؟ سؤال بسيط إجابته "لا". التقيت البروفسير الراحل عبد الله الطيب أول مرة أيام دراستنا في منتصف عقد الستينيات بجامعة الخرطوم وكنت بالطبع قد سمعت به وقرأت وأنا بمدرسة حنتوب الثانوية طرفا من ديوانه الأول "أصداء النيل".. وفي جامعة الخرطوم التحقت بكلية الاقتصاد إلا اننى كنت اداوم على حضور محاضرات عبد الله الطيب بكلية الاداب لما فيها من إمتاع ومعرفة.. ولم اكن وحدى فقد كان عدد من زملائنا من الكليات الأخرى يحضر حصص عبد الله الطيب حتى كدنا أن نفصل من كلياتنا. وخطيت برحلة طلابية الى سواكن في معيته وأذكر من زملا ذلك الزمان الذين كانوا معنا في تلك الرحلة التي لاتنسى، مرغني محمد صالح "رجل أعمال الان" وبابكر اسكيمو "بروفسير الان" ومصطفى جمال الدين "خبير الاممالمتحدة الان" وقد كانت تلك الرحلة فرصة نادرة للقرب من البروفسير عبد الله الطيب إذ كنا نتحلق حوله في الامسيات بنثر علينا من فيض علمه الزاخر في الادب والشعر العربي والانجليزي وكعادته يتداعى ويقفز من شاعر لشاعر وقصيدة لأخرى ولايغادر قصيدة أو شاعرا إلا وحدثنا عن كل شئ عنها و عنه وكنت وقد كان لى المام بسيط ببعض قصائد شعراء الانجليز الرومانسين اسال زوجة البروفسير عبد الله الطيب "جريز لندا" عن مقطع احفظه ولا أعرف شاعره فتجبنى بعد تفكير "أسال عبد الله" فأعجب أن يلم ذلك الراحل العظيم بمعرفة تستعصى على أهل المعرفة أنفسهم.. وكلما سألته وجدت عنده الخبر اليقين. إستوقفنى وأنا أقرأ المقدمة الباذخة التي قدم بها عبد الله الطيب ديوان صلاح أحمد ابراهيم "نحن والردى" وهو يتحدث عن شعر التفصيلة "هذا الشعر الحديث إدعى إختراعه والسبق إليه جماعة. إدعت نازك الملائكة إليه وإختراعه فيمن سبقوا إليه أو إخترعوه وهذا عجيب لأنها إستشهدت بابيات الناقوس التي نسبت الى سيدنا على كرم الله وجهه: "يا إبن الدنيا مهلا مهلا" وهي ابيات عدة يكون على هذا سيدنا على إخترع وزن التفصيلة لانازك". ولكننى أرى أن بعد سيدنا على الذي اتى بالتفصيلة هو البروفسير عبد الله الطيب نفسه لانازك الملائكة ولا السياب ولا البياتى ولا ادونيس ولاغيرهم لأن قصيدته "الكأس التي تحطمت" والتي نشرت في ابريل عام 1046م هي على وزن التفصيلة وتسبق بذلك شعر شعراء التفصيلة: (أترى تذكر لما أن دخلنا الفندق الشامخ ذاك الفندق الشامخ في ليدز ذاك الرحب ذاك الصاخب الصامت ذاك الهائل المرعب إذ كنا معا أنت واليانوس والاخرى التي تصحب اليانوس والأبصار ترميها بمثل الرشقات وسهاما حانقات مخلسنا في قصى ثم قمنا وجلسنا في قريب زاخر بالنور صاح" هي قصيدة بلاشك تأتى على وزن شعر التفصيلة، ويصبح بذلك العلامة السوداني الراحل عبد الله الطيب هو الذي جاء بهذا الضرب من الشعر، في زمننا الحديث. وكنت قد قرأت قصيدة للشاعر المعروف أبونواس إرتجلها في مجلس الخليفة العباسى أحمد المستعين بالله وهو الخليفة الثاني عشر في الفترة العباسية، وأعتقد أن القصيدة أتت على ضرب شعر التفصيلة: "ماروضى ريحانكم الزاهر وماشذى نشركم العاطر وحق وجدى والهوى قاهر مذ عنبتمو لم يبق لى ناظر والقلب لأسال ولاصابر قالت فإن البحر من بيننا فأبرح ولاتات الى حينا واشرب بكاس الموت من هجرنا قلت ولو كان كثير العنا يكفيك إنى سابح ماهو" هل يكون أبونواس من رواد شعر التفصيلة. الله أعلم. وختاما اناشد السيد الأخ الفاضل الأستاذ على عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس وهو مثقف يدعم الثقافة الوطنية أن يأمر بطباعة "المرشد الى فهم اشعار العرب" طباعة شعبية تتكفل بها الدولة لتكون في متناول الناس غنيهم وفقيرهم.. فهذا الكتاب لايوجد الان بالمكتبات وهو فخر لأهل السودان أجمعين. الشكر لزميلى الادارى الفذ حمدت الله الطاهر فهو يرى أن عبد الله الطيب هو الذي إخترع شعر التفصيلة. م تحياتى. كلمة رئيس المؤتمر ميرغني ديشاب أحييكم أيها الحضور الكريم، حاضرين شهودا، مشكلين صفوة معتبرة من بنات وأبناء بلادنا، في مسهل مؤتمرنا هذا، مؤتمر اتحاد الكتاب السودانيين الذي يبحث في النسب الحضارى للسودان. وعندما نبحث فيه، عبر أوراق علمية سسناقشها، نرى ضرورة مشاركتكم في نقاشها، فإننا نرى أن عنوان هذ ا المؤتمر "النسب الحضارى" لبلادنا، يعتبر أهم تعبير طرح في بلادنا في تاريخه. لان ذلك لم يناقش من قبل، وكان جديرا أن يوضع على بساط البحث منذ استقلا بلادنا في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. إلا أن الاستقطاب الطائفى الذي انخدع به خريجو كلية غردون التذكارية- على الرغم من أنهم نظروا الى أنفسهم صفوة مختارة- كان له دور واضح في تغييب أمور كان هذا النسب أهم ترتيباتها. إننا نرى أنه كان ثم انبهار بالاستقلال نفسه. خاصة، وأنه جاء تحت شعار بدأ انتصارا كاسحا. وهو إعلانه من داخل البرلمان. وهو شعار لم يكتب تاريخه، برلمان لم يفحص بعد، إلا من إشارات هنا وهناك تقع في اطار قصورنا جميعا عن تتبع تاريخنا وفحصه ودراساته لبنا دولة ذات ذاكرة يجئ بناؤها عبر تراكم معرفى. ولا بأس أن كنا قد وضعنا لذلك شعارا- كعادتنا الان- هو أن "الدولة ومواطنها أولا". ولو كنا قد فعلنا ذلك، عن وعى وتجرد- كنا قد أمنا كثيرا من العثرات المنكرة في مسارنا- لكن ذلك لم يحدث. (2) نحن دائما مانقول "بلادنا" ولانقول "بلدنا". ولايكون هذا الفظ الأخير الا إذا انتمينا- في أحاديثنا الصغيرة. وذلك – فيما نرى- لأسباب: 1- كان لفظ "السودان" أول ماظهر أدبيات التاريخ وصفا لناس يتسمون بلون هذا الخدار "كما نقول في السودان. ولم يكن أسما لبلد. لوطن له حدوده الجغرافية المعلومة. وهو قد أخذ الصفة الأخيرة في حوالى منتصف النصف الأول من القرن التاسع عشر في الستينات كان هناك اتجاه لتغيير أسمه. وكانت هناك مناقشات اتسمت بالهدوء. إلا أن تغيير الأسم لم يتم. كان المتناقشون يرون انه يشترك معنا كثيرون في أفريقيا في أسم السودان. ذلك إذا اخذنا الاسم في مدلولة العربي. وهذا حق. وكان ذلك مربطا، له قدحه في الهوية محاولة المساس بالهوية دائما ما كان من خلال برامج التعليم. 2- في حوالي بدايات السبعينات من القرن الماضي، حاول القائمون بالأمر، تعديل المناهج المدرسية وادخال مايسمى بالتربية الوطنية. إلا أن المحتوى كان يبن بين. وقد بدا ذلك في خطاب تاريخى سالب لوزير التربية والتعليم انذاك في المؤتمر الأول للتعليم صار جزءا من المنهج المدرسى. ثم كان ماسمى بالحكم الأقليمى الذي خيوطه تجتمع في المركز ثم كان ماكان من أمر الهوية. 3- في عام1985م، كان هناك مؤتمر التربية الاسلامية. هو الذي قامت عليه أدبيات مناهج التعليم التي اكتملت عام2001م بعد مناهج سميت بالاسعافية. كان ذلك يتجه نحو أعادة تشكيل أهل السودان: تشكيل ماهو متشكل، ويكاد يكون قد ثبت من خلال غطاء استراتيجى مازلنا تحته. كيانات ثقافية، تمسكت- للأسف- بعرفياتها- خيوطها تجتمع في المركز كذلك. ثم صار من أمر الهوية ماصار. كان كل ذلك ناتجا عن نظم ادارة هذه البلاد. نحن نتطرق الى نظم التعليم بوصفها تأتى لتعديل سلوك المتعلم نحو الأفضل. فإذا هي تقع تحت غطاءات ايديولوجية لصالح الدولة لا الفرد، المواطن، حتى ولو في المستقبل. (3) في كتاب الطبقات أمر بما لم نفطن له. هو التشكيل الديمقراطى المستمر في بلادنا. ومبدءا نقول أن لفظ "العلم" في الثقافة العربية في السودان ليس دلالته في الانجليزية مثلا. هنا يعنى العلم الدينى. القران الكريم وما تعلم به من علوم. في ظل الدولة السنارية، كان هناك الهجرة للعلم. إذ يهاجر الناس الى الفرد من أهل الدين اينما كان. يأكلون ويشربون ويبقون حيث هو. لايعودون الى ديارهم. وكان هناك الهجرة بالعلم. إذ يهاجر عالم الدين بعلمه الى حيث يستطيع نشر علمه. هذا حدث في اواسط السودان وشمال وجنوبه الشرقى وغربه بشكل مكثف. وقد أعاد ذلك التشكيل السكانى في بلادنا، ولكن تحت ظل وقار وهيبة أهل الدين من الصوفية. لم يحس معه لناس انهم مختلفون. تماسكت مجتمعات السودان وتصاهرت. المحس في ضواحى الخرطوم بحري، أهل دنقلا في وسط السودان، الركابية في وسطه كذلك وشماله، الدواليب في غرب السودان، الفلاتة في شرق السودان ووسطه، البجا امتدوا حتى اقص جنوب الشرق. الثورة المهدية كان لها نصيبها في التشكيل السكانى كذلك. من انسلخ من جيش عبد الرحمن النجومى من أهل جبال النوبة بقى في وادي حلفا، صارت أم درمان سودانا مصغرا، كسلا كذلك، القضارف، الخرطون نفسها. المشاريع الزراعية استقطبت من استقطبت في الرهد، الجزيرة، حلفاالجديدة وغيرها، مؤخرا. وصار معها الاستقطاب السياسى سهلا. وهذا ظهر في انتخابات عام 1986م. كسبا لاحزاب سياسية وخسارة لأخرى. النزوح في ظل الحروب الأخيرة. (4) نحن في عالم يتحول بوثائر عالية في بلادنا. خاصة الان في ظل محاصفة طائفية عرقية. خرج الجنوب. ونسعى للامساك بوطن، بدولة من المفترض أن نكون أبناءها جميعا. ننتقل فيها من مفهوم الرعية الى فضاء المواطنة. وعلينا الانتباه الى جملة من الأمور: الهجرة الى المدن، واستقطاب من يهاجر. فكل من خلال الأراضى، الحدود الملتهبة، الامساك بموارد غير متجددة مع استبعاد ماهو متجدد من الموارد، تجفيف الارض الزراعية في امتدادت المدن، قلة التنمية في الأطراف، مياه النيل، الثروات المهدرة، تظلم الناس، تباين فهم دين الاسلام وظهور جماعات من الممكن أن تنا ل من النسيج الاجتماعى. (5) السياسيون ينبغى أن يستمعوا لكم الان، في مؤتمركم هذا يابنات وابناء السودان. أوراقكم التي ستقدمونها في هذا المؤتمر، فيها خلاص الهوية. فيها أنتم، اكثر من يحبون هذا الوطن. وعسى أن يصبح السياسيون المنفذون اذانهم فيستمعوا لكم، وفي ذلك خبر لهم لالكم. شكرا وبرغم جماعية العمل، ممثلا في لجنة اتحاد الكتاب، وسكرتاريته، ونشاط اكثر من العضوية ومن اصدقاء الاتحاد الا اننا نجد لزاما علمنا أن ننوه بالدور المقدر الذي ادل زميلنا عبد الهل الفكي الشير في متابعة ومراجعة الادارة الاعداد الاستاذ. العلمية بل وابتداء في المساهمة في اقتراح وصياغة واحكام عنوان المؤتمر نفسه.