كريسماس (أول)..في جمهورية (ثانية)..!! الخرطوم: أحمد دندش العام الماضي كانت الخرطوم في مثل هذه الايام، تشع من كثرة الالوان في شوارع مدنها الثلاث، وخاصة امام بعض الكنائس التى كانت تحتضن بداخلها الآلاف من الجنوبيين الذين تدافعوا في تلقائية للاحتفال بتلك المناسبة، بينما توزع امام مداخلها الكثيرون من اصحاب التجارات المختلفة، بدأً من باعة (الاناتيك) وانتهاء بذلك الشاب الذى يسحب أمامه عربة للآيسكريم، خط على مقدمتها عبارة (الخالق رازق)، والذي اقتادته عجلات تلك العربة لموضع الحفل بحثاً عن الرزق. ................................... حتى المواقع الإلكترونية ..كانت تذخر في تلك الايام بعبارات التهانئ للإخوة المسيحيين عموماً و(الجنوبيين) بشكل خاص، حيث كان الكثيرون يشاركونهم افراحهم ويبادلونهم التهانئ من باب المشاركة، في وطن واحد، كان يتسع لآلاف الاطروحات ومئات التوجهات ومختلف الديانات السماوية، لكن في هذا العام اختلف الوضع..فرسالة الكترونية وضعها احد الاسفيريين على صدر صفحته كانت كفيلة بأن تقرأ الوضع للكريسماس هذا العام فقد اختط ذلك الاسفيري على صدر صفحته عبارة (اي كريسماس بدون الجنوبيين؟؟؟ هل سنحتفل به نحن؟؟؟)، ولم ينس ذلك الاسفيري الغامض أن يضع تحت التعليق وجهاً رمزياً ضاحكاً على تعليقات البعض بالكريسماس. ......................................... وبعيداً عن تلك التعليقات الاسفيرية رصدت (السوداني) أمس حالة من الاختفاء الغريب للكثير من المشاهد في مثل هذا اليوم، الذي كان (الجنوبيون) يحتلون فيه الشوارع بملابسهم المميزة وسحناتهم التى كانت تشكل نبضاً حقيقاً لهذا الكريسماس، وهذا بالطبع كان نتاجاً طبيعياً للحدث الاكبر الذي هز البلاد، وهو انفصال جنوبها عن شمالها، وبالتالي انحسار كبير لكل ما اعتاد عليه المواطنون، وفي كل ما يختص بالجنوبيين، الذين باتت ملامحهم تتسلل الواحدة تلو الاخرى، وتنزوي لتظهر هناك، في دولتهم الجديدة أو دولة جنوب السودان (كما اختاروا لها اسماً). ........................................... عدد من (الجنوبيين) الذين اصطادتهم (السوداني) في بعض الشوارع الرئيسية بالعاصمة، اكدوا انه لا طعم للاحتفال في ظل ابتعادهم عن اصدقائهم واحبائهم واهليهم، وقال احدهم ويدعى (ميانج بول) عرف نفسه بأنه تاجر بسوق (الجنوبيين) بالخرطوم، قال انه لا يشعر بأي طعم للكريسماس هذا العام، ووصفه بأن حلاوة الاحتفال قديماً كانت تتمثل في (اللمة)..سألناه عن سبب بقائه بالخرطوم، ولماذا لم يسافر لدولته الجديدة للاحتفال هناك؟ فرد بسرعة: (نحنا اخترنا نقعد هنا..ما دايرين نمشي جنوب ولا اي مكان..دا بلدنا وما عندنا قضية بي سياسة ولا كلام زي دا). ........................................... حديث (ميانج) ربما يكون عاطفياً أكثر من واقعيته، لأن تداعيات الانفصال قد وقعت، واصبحت تاريخاً يضمن الكثير من المشاهد، وتشهد عليه الخرطوم، التي احتضنت بعض الجنوبيين الذين احتفلوا داخلها، والذين رفعوا شعاراً مفاده (سنحتفل بمن حضر)..في اشارة لأول كريسماس في الجمهورية الثانية.