هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته الكلام وسيلة للاتصال والتّفاهم والمخاطبة، ولقد ورد ذكر الكلام في العديد من آيات القرآن الكريم : { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }( الكهف : 109)، : " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " (فاطر : 10) وحسب ترتيب المهارات اللّغوية تأتي مهارة الكلام بعد مهارة الاستماع إذْ يحتاج المتكلّم إلى مستمع كشرط أساسي إذْ لا يعقل أن يتكلّم الشخص إلى نفسه وإلاّ اعتبر خارج شبكة العقلاء. والمتحدّث الناجح هو الذي يجيد الإلقاء مع تمثيل المعني وعليه أنْ يراعي لمنْ يتحدّث، ونوعية المستمعين. أن يحدّد الهدف من الكلام ومحتوى الكلام كما أن طول الكلام قد يؤدى إلى الملل وتشتيت الانتباه وفي البدء كانت الكلمة كما جاء في بعض الأسفار الدينية. واللغة ليست اللسان فقط، إنما هي الوطن والهوية والانتماء وتواصل الأجيال والتراث وتشكيل النسيج الاجتماعي تميّز الإنسان عن سائر الخلق فهو الحيوان الناطق. لقد شهدت الخمسينات والستينات العهد الذهبي للتعليم في السودان منهجاً وإنفاقاً سخيّاً عادلاً وكان التعليم شحذاً للأذهان وترسيخاً للانتماء والهوية والأهداف التربوية استجابت إلى احتياجات الأمة وفقاً للبرامج الواضحة والخطط الجادة وكانت لغة ذلك الزمن الجميل سليمة وواضحة غرست فيهم المبادئ والقيم التي تمكّنهم من مواجهة الحياة والتفاعل مع المجتمع فجاء خطابهم غنياً بالألق والجمال والإشراق ... ونحن على أعتاب المرحلة الثانوية كنا نتابع عبر المذياع بشغف وإعجاب واهتمام مداولات البرلمان بين الحزبين الكبيرين (الوطني الاتحادي والأمة) حيث يتناظر الزعيمان مبارك زروق (زعيم الأغلبية) والمحجوب (زعيم المعارضة) بلغة عربية رصينة تزينها البلاغة ويتخللّها سحر البيان ونزيد منها لذخيرتنا اللّغوية كل ما هو مفيد ومثير وجديد ولم يتشدّق أولئك ولم يتفيقهوا تكبّراً وظهوراً ولم يلجأ أولئك إلى خطاب التّقعّر والغموض والرصف الكلامي والكلام المصنوع والفلتان الأسلوبي بعيداً عن ما يالفه الناس ولم تظهر في قاموسهم المصطلحات التفتيتية واللغة الإقصائية التي تفتقر إلى الكياسة وقول التي هي أحسن أمثال : المآلات، الآلية، التّداعيات، الشفافية، الأجندة الخفية القضايا العالقة وغيرها من غرائب الكلم ،(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ )البقرة :204 - 205، و: " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ " آل عمران : 159 بل كان جمال خطابهم يكمن في قوة الكلمة البسيطة وضوحاً ودلالة صحتها مع القدرة على التوصيل فربّ قيراط عمل خير من قنطار كلام (كما يحدث هذه الأيام) وربّ صنيعة من صنائع المعروف أبلغ من خُطب( قِس بن ساعدة) (السّواي ما حدّاث) وعَبَر أولئك بسوداننا الحبيب إلى آفاق عالمية أرحب حيث ألقي الرئيس الأزهري خطاب السودان في مؤتمر (باندونق) بلسان عربي مُبين وامتد عطاؤهم إلى الأممالمتحدة، عندما سمعنا محمد أحمد محجوب بكل الفخر والإعزاز يخاطب الجمعية العمومية بلغة انجليزية رصينة سليمة وصحيحة أذهلت أصحابها وأعجبت الناطقين بها، وعملوا على ترسيخ الحكم الراشد ( Good Governance) والعدل والمساواة Justice and Equity تحت رعاية الضبط الاجتماعي وأن الحكم أمانة في أعناق الحكام وعندما أصبحت السياسة مهنة تناسلت الأحزاب وظهر في الساحة راكبو الموجة ولكل حالة لبوس ولكل مقام مقال ولكل انسلاخ (معلوم )، من كان يصدّق أن السودان الذي كانت تحكمه أحزاب لم تتعد أصابع اليد الواحدة تتزاحم فيه الأحزاب لتصل إلى قرابة الثمانين حزباً : أكثر الأشياء في بلدتنا : الأحزاب والفقر وحالات الطلاق ...! عندنا عشرة أحزاب ... ونِصف الحزِبِ في كل زُقاق ! كلها يَسْعَي إلى نبذِ الشِقاق كلها ينشق في الساعة شقين وينشقُ على الشّقين شِقان ... وينشقّان عن شقيهما مِنْ أجل تحقيق الوِفاق ..! ولا تعجبْ إذا سمعت بحزب كذا فرع السوق العربي أو فرع المغتربين وتتّفق هذه الأحزاب جميعاً في أنها تملاً قاعدتها (الفارغة) بأهرامات المفردات وأطنان الكلام ! (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ" الحشر : 14 و " يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ " آل عمران : 167. عدد الوزراء الاتحاديين ما يقارب الثمانين فإذا حسبنا عشر دقائق لكل وزير ليتكلّم فإن جلسة المجلس تستغرق 13 ساعة ونصف واحسبوا معي عدد المستشارين والخبراء ورؤساء إدارات ومنظمات وهيئات بالإضافة إلى الولايات بوزرائها ومعتمديها ومستشاريها ومجالسها التشريعية وما تهدره من وقت وجهد ومال في الكلام والنتيجة : فشبعنا ثرثرة .... وارتوينا ثرثرة ...! (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء :114 ونردّد في حسرة وألم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (خير الكلام ما قَلّ ودَلّ) فالدول الراقية المتحضرة تستثمر في الإنسان والصمت تأمّلوا جيداً الوجه الصيني الجاد والوجه الصامت الياباني المنتج وخُلوه تماماً من تجاعيد الكلام ! إنّ نجاح الإدارة الحديثة في تبسيط الإجراءات وتقليل الكلام فلدينا أكثر من أربعين صحيفة وأكثر من ثلاثين إذاعة تمطر علينا يومياً وابلاً من خواء الكلام وهي كالبراميل الفارغة الأكثر ضجيجاً : Empty Barrels Make the Loudest Noise (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) لقمان : 6 ويبدو أن الكثير من الإدارات تعقّد الإجراءات لمزيد من الكلام وخلق وظائف وإلاّ ما معنى : الحملة القومية لمكافحة الملاريا ثم دحر الملاريا ثم الخرطوم خالية من الملاريا، وهنالك فئة خطيرة من ذوي الحنك السنين واللّسان السّليط من آل القُوالة والصّواطة والشمارات وهؤلاء من ناقصي العقل والدين والخُلق : جراحاتُ السٍّهام لَها التِئَام ولاَ التئامَ لجراحات اللِّسان ..! ولكنهم لا يستطيعون اختراق (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) الفرقان :63 وهنالك من يرى أن الزواج سجن كبير ويا ويل من تحاصره قضبان( النِّقة) فالمرأة النكدية أخطر من أسلحة الدمار الشامل ...! وإذا دخلنا في فقه المؤتمرات نجد أن هنالك نخبة تندثر وتتربص بكيمياء المؤتمرات بعد أن تحولت إلى مؤتمرات سياحية يرتادها محترفون بعيدة عن أية جدوى ومراجعة وتقويم تتحّكم باختيار أشخاصها العلاقات الحزبية وليس الكفاءات والإمكانات تُذبح فيها المفردات وتردّد الصدى وتملأ القاعات بقشور الكلام يكثر فيها التلج ويتم تكسيره باحترافية عالية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } (سورة الصف : 2 ،3) وبين كل مؤتمر ومؤتمر( مؤتمر)ويدير هذه المؤتمرات شخصيات منبرية نمطية تظل تتكلم وتتكلّم حتى يستغيث الكلام ومنهم من استحق بجدارة وسام : "الكلمة الطويلة الممتازة " إذا كانَ بعضُ النّاس سيفاً لدولةٍ ففي النّاسِ أبواقٌ لهَا وطبولُ ...! فيا حكامنا توفيراً للوقت والجهد والمال استعصموا بالصمت للمزيد من الإنتاج وإن أردتم لهذه البلاد خيراً وتقدّماً وتنمية واستقراراً فعليكم بتقليص الظل الكلامي والكلام الهلامي .. لله ردك الرّسام المبُدع (بآخر لحظة)عدد 7 أبريل 2013م ابننا فارس فقد عَبّرت صدقاً وعدلاً ورسماً عندما أُغرق سيل الكلمات المواطن الجائع المغلوب على أمره ...! وكأنك تقصد ومن الكلام ما قتل ..! لقد صدق الله سبحانه وتعالى عندماحَسَم أمر العمل بدون كلام : { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } التوبة : 105. وقديماً قيل : سقط القولُ قد يعلو بأجنحة الترديد. صلاح الطيّب الأمين هاتف : 0918288840