الساعة تجاوزت الثانية صباحاً، كنت في الطريق من الصحيفة الى المنزل، يغالبني النعاس ويستبد بي الحزن، اتصال هاتفي جاءني من الدوحة، الصديق الشفيف هاشم كرار على الخط! هاشم يبكي بكاءً حاراً على رحيل الدكتور كمال حنفي ويستدعي ذكرى الراحل عبد المنعم قطبي، ويبكي على كل الرائعين الذين رحلوا عن هذه الدنيا (أم بناءً قش). الراحلون من أبناء الحرف وصناع الروعة وسدنة الجمال وعرابي الكلم النقي من شوائب الغرض وأصحاب الوجدان السليم من البغضاء والحسد، وذوي الضمائر البيضاء والأيدي النظيفة من مال هذا الشعب وقوت صغاره في الأرياف والحضر. تأمل عزيزي القارئ: علاقة هاشم بكمال تقع ضمن غرائبيات عالم الكتابة، علاقة كل رصيدها المدخر في هذه الدنيا البالية قراءات لأعمدة يومية واتصال هاتفي واحد لم يتجاوز العشر دقائق! هاشم كرار أحد أبرز نجومنا في الصحافة العربية، طائر مهاجر، شفيف ورقيق برقة كأس بكر، حتى تظن أنه كُتب على جبينه (عفواً .. قابل للكسر)! تأسره العبارة الجميلة وتحلق به عالياً بجناح أغر في سماوات التأمل ويهبط على فكرة رائعة على لحن أرخميدس (وجدتها وجدتها)! هاشم كتب عن كمال في صحيفة الوطن القطرية قبل 6 أعوام ، مفاخراً به وسط جميع الكتاب العرب (أنا..أنتمي لوطن هذا الكاتب البديع)! ساعة مضت وهاشم يتداعى في الحديث عن كمال بين البكاء والشعر والضغط على الجراح، وصديق آخر يخبرني أن كمال رحل عن الدنيا من محطة النوم! نعم، كان نائماً فانسربت روحه من جسده الوضيء ولم تعد، مات على طريقته في الحياة، الهدوء واللطف والذوق السليم. حتى في سكرات الموت لم يرد أن يزعج أحداً، فذهب وحيداً الى بارئه! وعلى الايميل تأتي من رومانيا رسالة صديقنا الدكتور عصام محجوب: عزيزي ضياء اختلفت مع الفقيد د. كمال حنفي في كثير من القضايا التي تناولها، ومع ذلك كنت معجبا أيما إعجاب بمقاله اليومي وكنت أمتع نفسي بقراءته وأختلف معه دون غضب أو ثورة عليه وتلك إحدى أهم مزاياه، وخصائصه. صدقني في نعيك الذي بذهابه جفت أقلام كتابة العمود اليومي وطويت الصفحات الأخيرة من الصحف. يختبئ تكريمك للفقيد في الفقرة ورد الجميل في العبارة. وفي الكلمة تختبئ معاني اللقاء وكذا الفراق. والحزن في المفردة. وفي الحرف تختبئ وردة بيضاء كقلب الفقيد وضعتها على قبره. وأنا هنا في رومانيا بعيد وليس لي من أعزيه في فقيد الصحافة د. كمال حنفي أبعث التعازي الحارة عن طريقك لأسرته وأهله. عصام محجوب الماحي