محاولات ساذجة، تحاول ما يسمى بالجبهة الثورية أن تضمد بها جرح هزيمتها الغائر في أبو كرشولا. يرددون في الأسافير أنهم قاموا بالانسحاب من المدينة حفاظاً على أرواح المدنيين، وأن الجيش دخل أبو كرشولا وهي خالية من قواتهم! وفي مكان آخر تجدهم يتحدثون عن أنهم نفذوا ما أردوا وانسحبوا من المدينة، لأنهم لم يكونوا أصلاً راغبين في التمسك بها! وفي موقع مختلف تجدهم يتحدثون عن أبو كرشولا باعتبارها قرية صغيرة وضيعة الشأن ليست ذات قيمة كبيرة، على عكس تعظيمهم لها حينما كانت تحت قبضتهم! الارتباك والتناقض في الروايات والتبريرات يماثل تماماً الطريقة التي هربوا بها من أبو كرشولا تحت نيران القوات المسلحة، ويحاولون تجميلها بكلمة (انسحاب)! لا مانع من موافقتهم على وصف خروجهم من أبوكرشولا بأنه عملية انسحاب! ولكن عليهم إكمال جملة الموقف بالإجابة عن سؤال مشاغب: أفعلوا ذلك اختياراً وطوعاً أم إذعاناً وخضوعاً لسلطة الأمر الواقع؟! الحرب في الأساس هي واحدة من ثلاثة أوصاف: (هجوم ودفاع وانسحاب)! والانسحاب إما أن يكون انسحاباً اختيارياً منظماً بعد إنجاز المهمة، وإما استباقاً لهزيمة مؤكدة. والنوع الثاني هو الانسحاب الفوضوي غير المنظم، والذي تمليه وقائع المعركة وتداعياتها، والقرار يكون في الغالب للفرد المقاتل لا للقيادة العسكرية. مؤشرات عديدة تؤكد أن ما تم في أبوكرشولا من قبل قوات الجبهة الثورية هو من النوع الثاني، من الانسحابات غير الكريمة. لن تجد الجبهة الثورية من يشتري مبررها الأخلاقي، بأنها انسحبت من أبوكرشولا مراعاة وحفاظاً على أرواح المواطنين! وسبب كساد هذا التبرير وبواره أنها لم تراع الاعتبار الإنساني الحساس الحفاظ على أرواح المواطنين في احتلالها للمدينة، وأثناء السيطرة عليها، فكيف تراعيه في قرار الانسحاب؟! قوات تسببت في نزوح آلاف الأسر وتشريدهم في نهارات صيف قائظ. قوات أحرقت مرافق الخدمات (الكهرباء والمياه)، وحرمت الصغار والكبار المأوى وماء الشرب، وذبحت بدم بارد العُزَّل تحت شجر المانغو. ما سبق ليست افتراءات وادعاءات النظام ومناصريه، ولكنها شهادات الجهات والمنظمات الإقليمية والدولية. لن تجد الجبهة الثورية من يصدِّق ادعاءها بأن لها حرصاً وإحساساً بأمن المواطنين! القوات المسلحة قالت: إنها تمتلك توثيقاً مصوراً لانتصارها في المعركة ستبثه خلال الأيام القادمة . في المقابل على الجبهة الثورية أن تقدم للرأي العام توثيقاً مصوراً كذلك لعملية الانسحاب المنظم. توثيقاً شبيهاً بمقطع الحفلة التي قامت بتصويرها داخل أبو كرشولا وبثتها عبر المواقع الإسفيرية، وغنى فيها المغني تلك الأغنية الركيكة (الحلو معانا ما همانا)!! في ساعات قلائل قبل إعلان الجيش السوداني تحرير أبوكرشولا صدرت أربعة بيانات وتصريحات متناقضة لأطراف منتمية للجبهة الثورية! والسؤال البريء الذي يطرح نفسه وهو يضع إصبعه داخل فمه: كيف لتنظيم ارتبك واضطرب في إصدار بيان من عشرة أسطر أن ينجح - تحت القصف والنيران الكثيفة - في سحب مئات العربات والآليات والمدرعات بهدوء وسلامة ويسر؟!