البعض يرهقنا جداً في البحث عن مفردات تليق بالحديث في حضرته عبر الحروف، والنور الجيلاني احد اولئك الذين يمنحوننا ذلك الرهق، لأن المفردات هي التي تختار مواطئ الاستكانة بين الاسطر، وليس العكس، لذلك فانتظار المفردات يمثل رهقاً لا يماثله رهق لكاتب اي مقال. والنور..فنان صاحب إحساس عال جداً، لا يعرف صوته (التسلل) للدواخل، بل (يقتحمها) ابداعاً وطرباً وتثنيا، يقابلك بوجه بشوش وبإريحية تفشل معها في المجاراة فتكتفي بالابتسام فقط، زاهد في هذه الدنيا، و(راكل) كل نعيمها، ورافض كذلك للظهور الاعلامي الذي يتباري في نيله (انصاف الموهوبين) و(مغنواتية الهشك بشك). والحكي عن فنان بحجم النور الجيلاني ربما يقودنا للكثير من شواطئ الابداع المستوطنة في دواخل ذلك الفنان الانسان -(ابو دمعة قريبة)- والذى يصيبك بالحيرة في كل تفاصيل حياته، بسبب (التواضع) الذي ربما كان سمة تلازمه اينما حل، واقول (الحيرة) لأننا بتنا نفتقد لذات التواضع عند فنانين (مغمورين) جداً، يعتقدون انهم وصلوا لقمة الشهرة، بينما هم اصدقاء ل(السفح اللا أخلاقي) بلا منازع. غنى النور الجيلاني للحبيبة فأحال دواخل العشاق الى مرج يغلي من الاشواق، وغنى للوطن الكبير فتجلى و(تسلطن)، وغنى للوطن الصغير (كدراوية) فلم يضطر الجمهور لقطع تذاكر الذهاب لرؤية تلك المدينة، واكتفوا بوصف النور لها واحاسيسه المعطونة بحب المكان، وغنى النور للاطفال فاستطاع أن يجمعهم حوله، وأن يوجِد له جمهوراً جديداً يكبر في كل يوم وهو يردد: (قبضوني ليه..جابوني ليه..عايزني اعمل ايه هنا)..؟ النور الجيلاني ليس محض فنان انتهج الغناء للكسب والشهرة، فهو من الفنانين الذين لا يلقون بالاً للكسب المادي، بينما تطاردهم الشهرة بإصرار غريب وبرغم هذا يختبئون خلف إطار التواضع الانيق الذي اصروا على أن يكون محيطاً بمسيرتهم الفنية منذ إنطلاقتها، لذلك يستحق النور اليوم أن نكتب عنه، وأن نطالب بتكريمه في مهرجان كبير جداً، فهو ليس اقل ممن تم تكريمهم، وهو كذلك ليس بفنان يمكن تجاوزه ببساطة، فمن منكم يبادر ويلتقط القفاز لتكريم النور الجيلاني..؟ جدعة: لو كان النور الجيلاني يتحدث لوسائل الاعلام كما يفعل بعض (صبية) الغناء وفناني (الجوطة)، ويجيد (تكسير التلج) وإثارة الجدل ب(التصريحات) غير المسؤولة، لقمنا بتكريمه فوراً، لكنه رجل قليل الحديث، وزاهد في الاضواء، لا يحب أن يظهر الا وسط معجبيه وهو يغني لهم بإخلاص شديد نفتقده اليوم في ساحة فنية تضج ب(الهرجلة)، وبفنانين نصف وزنهم الفني (اعلام ساااااكت). شربكة أخيرة: عزيزي النور الجيلاني...في هجير الدنيا ماشي...أصلو لا ضُل لا غمامة..!!