د. عثمان البدري 0912163491 لقد حظي موضوع خصخصة مصانع السكر بمجرد الإعلان عنه بتغطية واسعة في الإعلام المحلي وإن كانت الكتابات ليست بالكثافة التي تعادل أهمية الأمر وآثاره الإجتماعية والإقتصادية والأمنية والسياسية والفكرية البالغة. وقد تناولت معظم الكتابات في هذا الأمر الإعتراض السريع على عملية البيع والخصخصة ، ومن أبرزها ما كتبه الأستاذ الكبير رئيس تحرير الرأي العام كمال حسن بخيت في كلمته معترضا ً على العملية برمتها وهو كاتب غير معارض للنظام ويكتب بوطنية عالية في معظم القضايا ، وهو كاتب ذو خلفية قومية عربية وبعثية سالفاً وهو بهذا يحمل توجهاً استراتيجياً معتدلاً وليس شيوعياً ، ولم التق به وجها ً لوجه من قبل بالرغم من أني كنت اكتب عموداً راتباً بالرأي العام. وهو رجل يحمل كنوزاً ومعلومات مهمة على مستوى العالم العربي وشخصياته السياسية والأدبية – مثل نزار قباني ومحمود درويش – وقد استمتعت كثيراً بالحلقة التي قام بها الشاب المجتهد عماد البشري في إذاعة ام درمان اف ام 101 وأدلى فيها استاذ كمال بمعلومات نادرة وقيمة. ومن الذين كتبوا في هذا الأمر الصحفية الأستاذة هويدا سر الختم والتي عملت معي إبان رئاستي لتحرير صحيفة الإقتصادي كاتبة متعاونة وهي صحفية جريئة وليست من المؤيدين للنظام. ويقول أن الخصخصة في حد ذاتها سياسة ناجحة تتخطى البيروقراطية الحكومية بنسبة معقولة تمكنها من الحفاظ على التوازن والرقابة في حق الدولة دون المساس بحرية الحركة في المشروع حتي لا تفرغ الخصخصة من مضمونها ، وهي في رأيها إنما تزيد كفاءة في اداء الحكومة ومؤسساتها وشركاتها وترى أن المشكلة أن مجالس الادارات لا تتمتع بالجرأة في اتخاذ القرار وبشفافية وتتخوف من المآلات. وقد كتبنا وتحدثنا في هذا الموضوع في غير ما موضع وفي مرات عديدة ولكن خلط الخاص بالعام يؤدي دائماً إلى غلبة الخاص لأن الدوافع الخاصة والحرص على المصلحة الخاصة في الغالب اقوى من العامة إذا لم تتوفر لها الآليات المنضبطة بالقوانين والممارسات الإستقلالية الكاملة مالياً وإدارياً وتشغيلياً. ومن كتب حول هذا الاستاذ جمال علي حسن في صحيفة (اليوم التالي)، (بيع مصانع السكر " اقطع من اللحم ") وهو يرى أن الحكومة ستبيع البيت بركابه أي المصانع بما فيها وبما عليها ولن يوقفها عن ذلك حديث البرلمان ولجانه لأن من يقومون على هذا الأمر وزراء درجة اولى كما وصفهم امثال د. مصطفى عثمان اسماعيل-- ولا ادري لماذا لم يذكر وزير الصناعة المهندس عبد الوهاب محمد عثمان وعلي محمود وزير المالية ولعلهم من ركاب الصالون أو النوم.---و يرى أن البيع " يعني اليأس من الإصلاح ويعني نهاية الإنجاز ويعني إنتهاء صلاحية نجمة الإنجاز التي منحتها الدولة لشركة السكر السودانية قبل " الذبح " الذي هو القرار السهل ويتم اتخاذه دائماً تحت مبررات عديدة. وكتب كثير من الإخوة والاخوات الصحفيون عن هذا الموضوع وغالبهم ضد البيع أو الخصخصة وبعضهم يرى أن التفريط فيها للطامعين من الاجانب أو غيرهم وأن السكر هو سلعة " استراتيجية " بمعنى أنه يتأثر بها كثير من الناس وأنها اصبحت من سلع الثراء السريع المضمون لمن يتداولونها إحتكاراً أو توزيعاً أو تعبئة أو تخصيصاً. وكان للسكر دور كبير في المساهمة في تشييد كثير من الخدمات في الريف حينما كان يوزع عن طريق التموين والتعاون. وفي الأعوام الأخيرة دخل السكر في خانة السلع الإستراتيجية المهمة لزيادة إستهلاكه تبعاً للموجة الإستهلاكية التي اجتاحت البلاد نتيجة لإرتفاع المستوى المعيشي العام وتغير الأنماط الإستهلاكية نتيجة لإرتفاع مستوى الناتج المحلي الفردي وبالتالي متوسط دخل الفرد. وهذا المتوسط هو متوسط إحصائي فقط وليس له دلالة على عدالة التوزيع أو عدمه، ودخول المغتربين وتحويلاتهم وأنماط الإستهلاك التي جلبوها وفترة تدفق عائدات النفط ودخول الإستثمارات الإستهلاكية الكثيرة التي اجتاحت البلاد اخيراً، والإستهلاك الكبير غير المتوازن مع مستوى الدخول والمتمثل في الكافتريات والمطاعم واماكن الحلويات وانتشار واتساع سوق المشروبات الغازية وغيرها بالرغم من اضرارها المعروفة والموثقة صحياً وإقتصادياً يوجِد (ميلان حدي) للاستهلاك غير المنتج ، وهذا ادى إلى مضاعفة استهلاك السكر واتساع الفجوة فيه بين العرض والطلب حيث أن انتاج شركة السكر السودانية وشركة سكر كنانة حوالي 70 الف طن مناصفة بينهما تقريباً والفجوة في الإستهلاك حوالي 500 الف طن يتم تغطيتها عن طريق الإستيراد. ولا نتوقع أن يقلل تشغيل مصنع النيل الابيض من الفجوة نسبة للارتفاع المضطرد في الاستهلاك وهذا الأمر يشكل ضغطاً كبيراً على الميزان التجاري وميزان المدفوعات ويزيد من الضغوط التضخمية والضغوط على القيمة التبادلية للعملة الوطنية مقابل العملات القابلة للتحويل. أما على الجانب السياسي والتنفيذي فقد انبرى عدد من النواب بالمجلس التشريعي الوطني للإعلان عن عملية الخصخصة هذه ومن رئيس اللجنة الإقتصادية ولجنة الصناعة وغيرهم ونشرت الصحف المحلية عناوين رئيسية عن معارضة البرلمان لبيع مصانع السكر وعبارات من هذا القبيل ، والحاصل أن البرلمان لم يناقش هذه الإعتراضات بصورة نظامية وفي شكل توصيات ترفع له من اللجان المتخصصة بعد دراستها ويقوم البرلمان بإصدار قرارات تشريعية في هذا الأمر، أما تصريحات رؤساء وبعض اعضاء اللجان فلا تزيد عن كونها تعبيرات خاصة أو إنفعال أو قناعات شخصية أو توجهات لدى البعض داخل الحكومة ممن لا يرون أن سياسة الحكومة في ما يخص الخصخصة سياسة ناجحة ومرغوبة ولكنهم يعلمون تمام العلم أن الحكومة تحت ضغوط كبيرة ممن يتبنون الخط الرأسمالي البحت لهم الصوت الأعلى واليد الطولى والنفوذ الأقوى والتحالف الكاسب الرابح حتى الآن. وقبل الكتابة عن هذين الموضوعين – خصخصة سودانير ثم عودتها للحكومة بنسبة مئة بالمائة – وبيع مصانع السكر – فنرى بالنسبة لسودانير أن على الحكومة أن تتخذ سياسة واضحة هل تريدها أم لا ؟ فإذا كانت الحكومة حريصة عليها فلتعمل على تطويرها وتحديثها. ومن أهم هذه الموجبات التي صارت معروفة لدى الجميع ضرورة اختيار مجلس إدارة له على الأقل رئيس متفرغ يمارس المهام والعلاقات المؤسسية وأن يقوم المجلس بالمهام المنصوصة عليها في قانونه ، وأن يكون محاسباً أمام السلطة المالكة مباشرة ولا احد غيره. كذلك لابد من وضع استراتيجية وخطة أعمال ( Business Plan ) واضحة وواقعية ثم تحديد مصادر تمويل خطة الأعمال هذه وتدرجها وإعتماد فلسفة الإدارة للنتائج والتقييم بالنتائج ثم يتم بعد ذلك وضع النظم والهياكل الإدارية والتنظيمية والوظيفية والراتبية ونظم ولوائح قياس وأداء الأعمال والمحاسبة عليها. ويجب أن لا نبدأ " بالمقلوب " أي أن نضع الهياكل قبل خطة الأعمال وخطة التمويل وقد استمعت لبعض المعنيين في هذا الموضوع اولاً. أما بالنسبة لمصانع السكر فسنتناوله في الجزء الثالث من هذا المقال لأهميته البالغة وآثاره البعيدة المتوقعة. وقد استمعت من الأخ الفاضل الباشمهندس / عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة في مقابلة مطولة شهدها معي الأستاذ الصحفي المؤلف المعروف / صديق الباز – في مكتبه بالوزارة وكان اريحياً في ترحابه ومتقناً في آرائه وعرض طرحاً متماسكاً تماماً وهو حقاً يعي ما يقول: He knows what he is talking about – وإن كنا لا نتفق معه بالضرورة في كل طرحه ومسلماته وتفاصيله – وقد علمنا من غيره أن الجهات المعنية للدولة عرضت عليه أن يرأس مجلس إدارة مشروع الجزيرة – وقد أحسنت تلك الجهات في الاختيار وإن لم تجمل في الطلب ، وقد أبلغ هو في الإعتذار واصاب في ما ذهب اليه – وهو يرى ونحن وغيرنا نرى معه أن المشروع يحتاج في مجلس إدارته للتفرغ التام من رئيسه والجزئي لأعضائه المختارين بمواصفات مثلما تفعل الأمم المتقدمة في كل مؤسساتها المرجوة والمعتبرة والتي ترجو من ورائها مثل الأمريكان والأوروبيين والآسيويين والمصريين وغيرهم. وتحدثت كذلك مع الأخ الكريم الدكتور المهندس / مهدي بشير محمد على سعد ود التويم المدير السابق لشركة السكر السودانية وارجو أن أتحدث كذلك للمهندس / بكري محجوب المدير الحالي لشركة السكر السودانية. وقد تحدثت مختصراً مع الأستاذ / عبد الرحمن نور الدين رئيس اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام وقال إنه لم يقل شيئاً وطلب أن لا نفعل وأنا هنا لا أنسب اليه شيئا ، وهو رجل أخذ من الفقه بنصيب وافر وعندنا وعند الفقهاء أنه لا ينسب لساكت قول.