زميلنا بالمناقل الثانوية كان يحمل اسم انقلاب سليمان ارقا ، رحمه الله وعوضه عن شبابه الجنة، كان يفتخر باسمه (انقلاب) ويدافع عن الاسم بمنطق لا يخلو من الطرافة، كان يقول (كثيرة هي الأشياء التي لا تعتدل إلا بالانقلاب عليها)..! أشفق على أساتذة العلوم السياسية في الخروج من محنة توصيف ما حدث في مصر. وهل سيتم اعتماد التظاهر والاحتجاج كمصدرين لانتفاء شرعية الحكم وتجاوز شرعية صناديق الاقتراع؟! وما هو المقياس الجماهيري لتحديد أن كانت هذه الاحتجاجات أو تلك نافية للشرعية أم لا ، خاصة في وجود التضخيم والنفخ الذي يتم في تقدير الأعداد أو تضئيلها وفق المصلحة السياسية! وماذا إذا أفلح الإخوان غداً أو بعد سنوات في إخراج ما يضاهي مظاهرات 30 يونيو، هل سيكون ذلك مسوغاً لتدخل جنرالات الجيش المصري في السياسة أم هذه الرخصة ممنوحة فقط للتيارات العلمانية! أعطيكم مثالاً في تقريب لا موضوعية تحديد الأرقام وقياس الوزن الجماهيري، في استقبال الدكتور جون قرنق بالساحة الخضراء في عام2005 كانت تقديرات وكالات الأنباء للحشد بمئات الآلاف، وكان تقدير المنظمين أن الرقم يتجاوز المليون أما تقديرات الحكومة لم تزد على ال500 ألف بحساب الأمتار المربعة، ولكن عليكم مقارنة كل ذلك بتقدير جون قرنق الذي بلغ ال6 ملايين! حتى في تحديد أعداد الذين خرجوا ضد مرسي في 30 يونيو تجد تضارباً رقمياً كبيراً بين من يقدر العدد ب13 مليوناً، ومن يقول 17 مليوناً، ومن يصل بالعدد إلى 33 مليوناً. في مخاطبة مرشد الإخوان المسلمين أحمد بديع لتجمع رابعة العدوية الرافض لعزل مرسي أمسك أحد منظمي الحشد بالميكرفون، وقال : (خبر عاجل لقد بلغ عدد المجتمعين بالميدان أربعة ملايين). ولم يحدد المتحدث الطريقة التي أحصى بها عدد المناصرين لمرسي في تلك اللحظة الإخبارية، كما لم يفعل مناوئه ذات الشيء في تحديد ال33 مليوناً! الانقلاب لم يتم على مرسي فقط بل تم على مفهوم وقواعد ديمقراطية وستمنستر، والتي على أساسها تدار قوانين اللعبة السياسية! والمفارقة الانقلابية الثالثة حدثت في السودان حيث وجدت الحركة الإسلامية التي جاءت بانقلاب 30 يونيو1989 نفسها تدافع عن شرعية مرسي الانتخابية وتحتج على تدخل العسكر في الممارسة السياسية. في المقابل المجموعات المعارضة للحكومة خاصة اليسارية منها التي لم تجف دموعها بعد من على صناديق انتخابات 86 لا تجد في نفسها حرجاً في تبرير تدخل الجيش في السياسة لمصلحة مجموعة ضد أخرى! نعم، يقولون إن ما حدث في مصر كان مدعوماً بشرعية الشارع المتظاهر لا برغبة جنرالات الجيش فقط ونزوعهم نحو السيطرة على السلطة! وربما سيرد إسلاميو السودان بذات المنطق، وهو أن مشروعية الانقلاب على حكومة الصادق المهدي في89 مستمدة من مسيرات ثورة المصاحف وأمان السودان المطالبة بتطبيق شرع الله ودعم الجيش وقبل ذلك المظاهرة التي وصفت بالمليونية التي خرجت في 1983 لتأييد تطبيق الحدود، والأهم من ذلك مذكرة الجيش التي أخرجتهم من حكومة الوفاق! ولا أجد أبرع ولا أدق في وصف انتهازية النخب السودانية في التعامل الانتقائي مع الديمقراطية وفق مصلحة اللحظة لا جوهر المبدأ، مثل أبيات الرائع دوماً الأستاذ الجميل والجليل عبد القادر الكتيابي الذي كتب في عام 1986 بعد عام من الانتفاضة قصيدة تجسد متناقضات الراهن الآن، وجاءت تحمل عنوان "رسالة إلى صناديق الاقتراع" : علي الطلاق .. مكاء صلاة اليمين عليك .. وحج اليسار إليك نفاق .. وأقطع حد ذراعي رهانا ستصبح ثم تراهم سمانا .. وثم يشد عليك الوثاق لتعرف أن المنابر سوق .. وأن البضاعة أنت ... وليس هناك إمام .. وليس هناك رفاق ستعرف أني صدقتك نصحي .. وأني أحبك علي الطلاق!!