هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته في الأسبوع الأخير من هذا الشهر سينعقد المؤتمر الاقتصادي لتصحيح مسار الاقتصاد السوداني. يجادل البعض بأن المشكلة في السودان هي سياسية وليست اقتصادية. بمعنى أن عدم التوافق الوطني، والحروب في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، والمقاطعة الدولية للسودان وكلها مسائل سياسية هي الأسباب الحقيقية للأزمة في السودان. نتفق مع هذا الطرح لحد كبير. غير أننا نشير الى أن هناك قضايا اقتصادية تستحق الوقوف عندها وطرح رؤى جديدة واستراتيجيات وسياسات جديدة حولها. من ذلك قضيتا النظام المصرفي ونظام التأمين في السودان. إن النظام المصرفي المطبق في السودان، ونظام التأمين المطبق في السودان يستحقان رؤية جديدة وسياسات جديدة. فيما يتعلق بالنظام المصرفي فمن المعلوم أن تجربة السودان فريدة على مستوى العالم، فهو الدولة الوحيدة التي تطبق مبادئ الشريعة الأسلامية في النظام المصرفي كأمر إلزامي للمصارف التي تعمل داخل السودان، أي أن السودان ليس كدول أخرى يجعل الخيار للمصرف إن شاء طبق نظام الشريعة الأسلامية وإن شاء طبق النظام التقليدي القائم على سعر الفائدة. وقد ثبت أن ما عانته دول العالم مؤخراً من أزمة اقتصادية بالغة الحدة، ناتج بالأساس من التعامل بالمشتقات المالية وبيع الديون وخداع حملة الأسهم، وأن التعامل وفق مبادئ الشريعة الأسلامية يحصن الاقتصاد من مثل هذه الأزمات، لذا فإن تجربة المصارف الأسلامية أصبحت تدرس في الجامعات الغربية، مع السماح للبنوك بفتح نوافذ إسلامية. مع الإقرار بصحة ما تقدم في عمومياته نلاحظ أن النظام المصرفي السوداني يعاني من علتين أساسيتين، الأولى: الصورية في تطبيق الصيغ الإسلامية في التمويل، والثانية ضعف مساهمة النظام المصرفي في التنمية لضعف موارده وعجزه عن حشد المدخرات وإدخال الكم الأكبر من السيولة لداخل النظام المصرفي وإتاحتها من بعد للتنمية. العلة الأولى تعالج بالتدريب والمراجعة والمحاسبة وتوقيع العقوبات من قبل البنك المركزي. أما العلة الثانية فتحتاج لجهود مؤسسية ضخمة للغاية لزيادة تعمق النظام المصرفي في المجتمع السوداني، حيث تشير نتائج الدراسات حول هذا الموضوع الى أن موارد الجهاز المصرفي الداخلية كانت ولا زالت هي اللبنة الضعيفة فيه حيث ان معظم موارد الجهاز المصرفي تأتي من الودائع الجارية، مما يؤدي الى تقليص حركة الجهاز المصرفي في التمويل طويل الأجل لأن طبيعة الودائع الجارية في الغالب والأعم هي قصر أجلها مع عدم حرص المودعين على إبقاء مبالغ مقدرة بحساباتهم الجارية لعدم تحقق أرباح منها. ومن جانب آخر أشارت إحصاءات بنك السودان الى أن نصف الكتلة النقدية المقدرة بعشرين مليار جنيه هي خارج النظام المصرفي، وأن العدد الكلي للحسابات المفتوحة بكل المصارف لا يتجاوز مليون حساب في أحسن الأحوال، أي أن أكثر من 90% من سكان السودان لا يعرفون المصارف ولا يتعاملون معها. الاجتهاد الشرعي المطلوب لزيادة الودائع وزيادة عدد المتعاملين مع المصارف هو الإذن للمصارف بالتعامل بصيغة المضاربة المطلقة. إن التعامل بهذه الصيغة سيتيح للبنوك منح أرباح (حلال) للودائع في الحسابات الجارية، وسوف تساعد أنظمة الحاسوب المستخدمة حالياً في كل البنوك في تحديد الربح لكل عميل لكل مبلغ يودعه في حسابه الجاري وبهذا نشجع الادخار ونجذب الكتلة النقدية لداخل المصارف لاستخدامها لأغراض التنمية. أما الاجتهاد المطلوب في مجال التأمين فهو السماح باستثمار أقساط التأمين لتحقيق أرباح لمالكي شركات التأمين والمستثمرين فيها، وبهذا نجذب مستثمرين كبار لهذا القطاع الهام الذي يعاني حالياً من ضعف شديد لأن هيئات الرقابة الشرعية تمنع حصول مالكي الشركات على أرباح. والله الموفق.