مدخل: بعض الجراح تبدو عصية على العلاج! (1) في الملاكمة كل شيء يبدو معكوساً تماماً، كما الأوضاع في السودان، فعندما تريد أن تتحرك لليسار، يجب أن تبدأ بقدمك اليمني، وعندما تريد أن توقف ألمك تندفع إلى الأمام وتلتحم بخصمك، أما إن أردت أن توجه لكمة، فإن أفضل طريقة لفعل ذلك هي الرجوع للوراء، ولكن إن رجعت أكثر مما يجب فإنك لن تقاتل. (2) تذكرت طرفة شعبية شائعة، مفادها أن جمعية الرفق بالحيوان ضبطت (عربجي) يحمّل حماره فوق طاقته فضلاً عن سوء تغذيته ورعايته، فأمرت بجلده 50 سوطاً، فعاد إلى أهله يتلوى، فسألته زوجه عن السبب، فأخبرها أن الجمعية الملعونة فعلت به ذلك، جراء سوء تعامله مع الحمار، فضحكت وقالت: "أكان شافوني، كان أعدموك!". (3) والطرفة أعلاه، لا تحتاج إلى شرح أكثر، ونحن نقرأ أن المجلس التشريعي لنهر النيل أجاز قانوناً ولائياً للرفق بالحيوان، يوصف بأنه يمثل سابقة على مستوى السودان، وخطوة يشهدها تاريخ البلاد لأول مرة. ويركز القانون على حماية الحيوانات السائبة والضائعة، ويضع شروطاً لاستخدامها في إجراء التجارب والبحث العلمي، ويجيز القانون القتل الرحيم للحيوانات بسبب الأمراض الوبائية، فضلاً عن حماية الحيوانات في المسالخ والأسواق، وأثناء النقل وعبورها الطريق السريع، كما يضع شروطاً لوسائل نقل الحيوانات، بجانب حماية الحيوانات والأسماك بمزارع التربية والإنتاج والحدائق والمعارض. (4) وما يجعل الضحكة تتسرب منا وتتحول لقهقهة كبيرة، ليس القانون بل إجازته، فقانون بهذا الشكل، ليس مجرد ترف حقوقي، بل هو نابع من إيمان حقيقي بالحقوق، يتقدم ويتطور حتى يصل هذه المرحلة، وإلا سيكون الأمر مجرد حبر على ورق، ولكم في وثيقة الحقوق آية.. إن كنتم تعقلون. (5) لا أدري إن كان النواب صادقين مع ذواتهم، وهم يجيزون مثل هذا القانون، هل يعلمون كم ستساوي لافاتات مرورية بطول الطريق من الجيلي وحتى أبو حمد تنظم حركة مرور الدواب؟!، دع عنك تفاصيل القانون، ما بالكم بطالبة تنام في (الداخلية)، ولا تأمن على نفسها من تهجم غريب عند منتصف الليل، وقبل أن تضمد جراحها الجسدية والمعنوية، يفتح قانون الرفق بالحيوان جراحاً جديدة، أظنها غير قابلة للشفاء.