في عهد الفريق إبراهيم عبود عندما شعر نظامه العسكري أن الجماهير بدأت تتململ من النظام وفي محاولة من العسكر أقاموا ما يسمى المجلس المركزي لامتصاص غضب الجماهير وتم استقطاب الكثير من الأعيان ليصبحوا أعضاء في هذا المجلس وكان شبيهاً كمجلس الشعب "الصوري" الذي أقامه النميري في العهد المايوي وهكذا العسكر كلما قاموا بانقلاب عسكري يقومون بتأسيس مجالس صورية يطلقوا عليها تسميات مختلفة وهمية وكما ذكرت قام نظام الفريق عبود باستقطاب العديد من الأعيان وبعض السياسيين وكان من ضمن الذين دخلوا المجلس أحد أقطاب الطريقة الختمية لكن بعض أقطاب الطريقة استنكروا دخوله للمجلس وذهبوا محتجين لدى مولانا السيد علي الميرغني ورفعوا احتجاجهم إليه وقام مولانا باستدعاء ذلك الرجل الذي اثار بدخوله المجلس المركزي غضب الكثير من أقطاب الطريقة الختمية وظن هؤلاء الغاضبون أن مولانا السيد علي سوف يوبخ ذلك القطب الختمي لدخوله المجلس المركزي وعندما سأله لماذا دخلت المجلس أجاب سريعاً: يا مولانا الموقف كان دقيقاً فابتسم السيد علي وأثنى على ذلك القطب الختمي وسط دهشة المحتجين الذين شكوا إلى الميرغني زميلهم ولم يفهموا هذا اللغز الذي جعلهم في حيرة من أمرهم ولم يستدركوا ماذا كان يعني ذلك الختمي بكلمة "دقيقاً" فالرجل منحته حكومة الجنرال عبود "كوتة من الدقيق" فهو كان تاجراً والسيد علي فهم كلامه فوراً لكن أقطاب الختمية لم يفهموا ماذا المقصود بكلمد "دقيقاً" وكان هذا الموقف من الطرائف السياسية التى حدثت في ذلك الماضي الجميل برجاله وبأعمالهم الوطنية. أما اليوم فلا نوادر سياسية ولا ليالي سياسية بالمعني المفهوم إنما اليوم تدور عجلة المصالح الذاتية للساسة وغيرهم في دهاليز الساسة ووسط ضباب سياسي بالساحة وخلافات عصفت بالاتحاديين الأمر الذي جعلتهم شتاتاً في ظل هذا المناخ السياسي الملبد بالغيوم خرج حزباً وليداً اسمه "حزب تجمع الوسط" بقيادة الأستاذ محمد مالك عثمان وفي الحقيقة عندما التقيت به وهو من أقطاب الاتحاديين سألته لماذا هذا الحزب؟ ولماذا لم يقترن اسم الحزب بكلمة "اتحادي فأجاب قائلاً هذا الحزب الجديد" لا علاقة له بالاتحاديين رغم أنه خرج من رحم الحركة الوطنية التي كانت نؤمن إيماناً قاطعاً بحركة مؤتمر الخريجين وهذا الحزب هو "حفيد" مؤتمر الخريجين وهو عبارة عن مجموعة من المثقفين التي أمنت بالفكر الليبرالي والمؤسسية واختراق حقوق الانسان. واستطرد مالك قائلاً لقد حاولنا بشن الطرق مع بقية التيارات الاتحادية لجمع صفوف الاتحاديين لكن كل محاولاتنا فشلت فشلاً ذريعاً وأخيراً أمام كل ذلك رأينا أن نخرج من هذه الحلقة وهي حلقة التشرذم الاتحادي وحلقة اللا منتهي فخرجنا لنطرح على الأمة السودانية نفس المرتكزات الفكرية التي قامت عليها الحركة الوطنية لكن تحت راية حزب جديد والذي تتوفر فيه الحريات واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية ودعونا من أقصي اليمين إلى أقصى اليسار وهم الواقفون على الرصيف منذ "20" عام وبالتأكيد هؤلاء لا يقلون عن 90% من القوى السياسية المختلفة وبعد أن شاخت الاحزاب السياسية وخلت الساحة السياسية في حزب تجمع الوسط ليملأ الفراغ السياسي الذي حدث بعد انهيار الاحزاب التقليدية كما أن قوى الوسط وهي القوي المغيبة الحية التي قامت بكل ثورات الربيع العربي فجاء الوقت لجمع شتات هذه القوى في هذا الوعاء الوطني الكبير الذي يسمى "حزب تجمع الوسط وهذا الحزب يضم من كان في حزب الامة والحزب الشيوعي وحزب البعث وبقية الاحزاب الاخرى العديد انضموا لهذا الحزب وتحت في طريقنا للتسجيل رسمياً.. هذا باختصار ما ذكره رئيس الحزب الأستاذ محمد مالك عثمان حقيقة لقد توقفت كثيراً أمام تأسيس هذا الحزب وأسفت أسفاً شديداً لحال الاتحاديين الذين كان روادهم الأوائل من الرعيل الأول يجمعون ولا يفرقون ويوحدون ولا يبعثرون كانوا تحت راية الزعيم الخالد اسماعيل الأزهري أبو الاستقلال، وصانع التاريخ ورافع العلم ومحرر الأجيال والشعوب من أدران الاستعمار البريطاني ولكن اليوم تفرق الشمل وتبعثر الكل وتناحر الجمع الأمر الذي دفع هؤلاء الذين يأسسوا "حزب الوسط" ما كنت أبداً أن اتصور أن الحال يصل بالاتحاديين إلى ما وصلوا إليه الآن ولكن أتت الرياح بما لا يشتهي المشفقون على حال الحركة الاتحادية والتي أصيبت في مقتل حينما اصابتها جرثومة بدعة "التوريث" الطائفي. إن السؤال الذي يتحدي الاجابة الآن هل الحزب الجديد "حزب تجمع الوسط وهل سيعيد للحركة الوطنية سالف أمجادها وعزتها سنترك الاجابة على هذا السؤال للأيام القادمة وهي كافية للإجابة على هذا السؤال..فالتحية لهذا الحزب الوليد والتحية لقادته وأنصار وهو يدخل أبواب السياسية بعزة وشموخ تحت راية الحرية والديمقراطية والتنمية الزراعية والنهضة الصناعية. عبد المنعم عبد القادر عبد الماجد