"الحياة كعلبة حلوى، لا يمكنك معرفة نصيبك منها". "وأن تبدو غبياً لا يعني أنك كذلك ما لم تأت بأفعال غبية". تلك هي بعض حكم السيد فورست قامب التي درج على ترديدها. وفورست قامب هذا شاب قوي البنية محدود القدرات الذهنية، متواضع التفكير، طيب جداَ وساذج جداَ، حاصل ذكائه يعادل 70%، هذا يعني أن نصيبه من نعمة العقل يقل بثلاثين درجة عن نصيب الإنسان العادي. تلك نسبة كبيرة بلا أدنى شك، ولكن ليس هذا هو بيت القصيد في حياته، وإنما أنه قد صار "بقدرة قادر" رجلاً ثرياً ورمزاً شعبياً وبطل حرب، يتصدر المحافل الدولية، ويجتمع بالرؤساء ويشارك في المناسبات الوطنية والأحداث القومية التي مرت بها بلاده. وبرغم ضحالة ثقافته وتدني ذكائه الذي جعله يرسم البسمة على وجوه من حوله دون وعي منه بذلك استطاع فورست قامب أن ينغمس في معظم المناسبات والأحداث التاريخية التي مرت بها بلاده الولاياتالمتحدةالأمريكية في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وتشمل هذه المناسبات والأحداث حرب فيتنام، وفضيحة ووترقيت، والحركات المطالبة بالحقوق المدنية، وثورة الكمبيوتر. وتمكن فورست من مقابلة ثلاثة رؤساء أمريكيين بجانب الفيس بيرسلي وجون لينون. وقصة فورست قامب قصة ذات معانٍ ودلالات وأبعاد اجتماعية وسياسية خطيرة. فالسيد فورست قامب رغماً عن أنه شخصية بارزة اجتماعياً إلا أنه لا يملك أن يفكر باستقلالية عن الآخرين، فطاعته العمياء وامتثاله الكامل لكل ما يصدر إليه من تعليمات ويسدى إليه من نصائح هي كل ذخيرته التي أكسبته معارك الحياة ورصيده الذي مكنه من خوض الأحداث التاريخية المهمة في مسيرة وطنه دون وعي منه بمغزاها أو إدراك منه لمآلاتها. هذا بالطبع بجانب فضل الله عليه بتسخير الحظ ليكون حليفاً دائماً بجانبه. وقصة فورست قامب التي حكتها أولاً رواية حملت اسمه صدرت في عام 1986 وحولت أحداثها إلى فيلم بعد ذلك حاز على ست جوائز أوسكار وأكثر من ثلاثين جائزة متنوعة أخرى. والقصة ذات معانٍ ودلالات وأبعاد اجتماعية وسياسية خطيرة. فهي تستعرض جزءاً من تاريخ الولاياتالمتحدة من منظور مواطن بسيط موادع كفورست قامب الذي بالرغم من أنه شخصية بارزة اجتماعياً إلا أنه لا يملك أن يفكر باستقلالية عن الآخرين، فطاعته العمياء وامتثاله الكامل لكل ما يصدر إليه من تعليمات ويسدى إليه من نصائح هي كل ذخيرته التي أكسبته معارك الحياة ورصيده الذي مكنه من خوض الأحداث التاريخية الهامة في مسيرة وطنه دون وعي منه بمغزاها أو إدراك منه لمآلاتها. هذا بالطبع بجانب فضل الله عليه بتسخير الحظ ليكون حليفاً دائماً بجانبه. ففورست قامب يفتقر تفكيره للعمق التحليلي الواعي. فهو يتجاوز من الأحداث ويتفاعل معها يمثل البساطة التي ينظر بها إليها حين تعرض عليه. وهو في غياب الأوامر أو النصائح الموجهة إليه رجل فاقد الاتزان وبلا هدف أو غاية لأفعاله. يتبع إحساسه ليحافظ علي اتزانه. فبعد أن هجرته صديقته الوحيدة "جيني" يشعر بالرغبة في العدو والجري. فجرى أولاً حتى بلغ نهاية الشارع. هناك خطر له مواصلة العدو حتى أطراف المدينة، ومن ثم خطر له أن يجري مخترقاً الضواحي المجاورة. وواصل العدو بعد ذلك على طول الطريق العابر للولاية ولم يتوقف عن الجري إلا عندما اعترضه ساحل الشرقي للولايات المتحدة. ثم قَلَب الأمر وقدره، أنه طالما قطع كل تلك المسافات فلماذا لا يعدو في الاتجاه المعاكس! فجرى حتى بلغ ساحل أمريكا الغربي، وأخيراً فكر في أن يعود أدراجه. عند ذاك لاحظ أن هناك الكثيرين من الناس يتبعونه، ثم أحاط به الإعلاميون والمخبرون الصحفيون وأخذوا يتناوبونه بالأسئلة والاستفسارات من كل جانب: لماذا تجري هكذا؟ هل لأجل السلام العالمي؟ أم من أجل حقوق المرأة؟ أم حقوق الحيوان؟ أم لأجل نزع أسلحة الدمار الشامل؟ كل هذا وفروست يقف مندهشاً "هل لابد إن أردت الجري أن تكون هناك ثمة أسباب لذلك؟! إعتاد فورست أن يعدو حين يشعر بأنه يريد أن يفعل ذلك، وأن ينام عندما يتعب، وأن يأكل عندما يجوع، وأن يذهب عندما يتوجب عليه الذهاب. جاته فهو لم يتعمد أن يكون بطل حرب. ولكنه أصبح كذلك عندما حرص علي طاعة صديقته "جيني"، التي نصحته عندما علمت بأمر إرساله ليحارب في فيتنام بألا يدعي الشجاعة إذا ما وجد نفسه في ورطة تهدد حياته، بل عليه أن يجري بأقصى ما أوتي من سرعة لينجو بنفسه. فنفذ الوصية بحذافيرها فهرب بأقصى سرعة حين شعر بالخطر، ولم يرجع لزملائه إلا بعد إحساسه بزوال الخطر ليجد أن من رفقائه من قتل وأن قائده قد أصيب فينقذه قبل أن يكتشف في نهاية الأمر أنه هو نفسه كان مصاباً بطلق ناري في فخذه دون أن يدري. كما أن الحظ وحده هو الذي جعل منه رجلاً ثرياً. فقد اشترى فورست قارباً لصيد الأسماك بمشاركة مع رفيق له في حرب فيتنام في ظل منافسة حادة ومحتدمة بين الصيادين مع انعدام خبرته، وقلة تجربة رفيقه، ليتدخل الحظ فيخدمها بعد أن هبت عاصفة بحرية عنيفة دمرت كل قوارب الصيادين بالمنطقة عدا بالطبع قارب فورست الذي صار غنياً في غياب منافسة الآخرين. وتتوالى المصادفات السعيدة بعد ذلك في حياة فورست ليزداد ثراء وغنى بعد أن استثمر أمواله في شركة كمبيوتر أبل (Apple Computer Company) وهو يحسب أنها شركة تتاجر بالفاكهة. وتبرز القصة النظرة الإيجابية التي ينظر بها فورست للحياة من واقع سذاجته التي تبدت في فهمه المحدود للعالم من حوله. ويبرز الفيلم فورست صادقاً كالطفل فهو دائماً يفصح بالحقيقة. فأمام جموع غفيرة في واشنطون يبرز فورست وهو يرتدي الملابس العسكرية ويوشك علي إماطة اللثام عن خفايا حرب فيتنام ولكن السلطات الرسمية تغلق أجهزة الصوت وتحرم الناس من سماع الحقيقة. فما من حكومة تسمح للناس بسماع الحقيقة. تطرح الرواية تساؤلا هاماً يتصل بماهية مقومات النجاح الذي عادة ما يرتبط بالأقوى والأذكى والأكثر مكرا ودهاء ولكن هذه الرواية تقدم وجهاً آخر لمقومات النجاح في أقصى درجاته تتمثل فيما يتصف به بطل هذه الرواية من طيبة وسذاجة أو قل غباوة انشئت. كانت تلك قراءاتي لهذا الاسبوع.