الأحلام البسيطة- يا فاطمة- تبدو مستحيلة، في زمن الخوف.أنت خائفة يا فاطمة، أن تكشفي عن نفسك- كما ينبغي- وأنت تتحدثين عن حلمك البسيط، لأنك تدركين جيدا، أن للحيطان من القش، في مخيم من القش، أذانا أطول من أذان الحيطان الصماء. أنت خائفة يا فاطمة، لأنك عشت الخوف: شاهدت الزوج يقتل، ربما برصاصة جنجويدية، أو حكومية، أو برصاصة عدوة في ثياب صديق.. ولأنك شاهدت ابنك الأكبر يقتل أيضا، ربما بطلعة (أنتينوف)، ولعّت النيران في القرية كلها.. ولأنك عشت الخوف وأنت تفرين: القرى أمامك حريق، والصحراء لا ترحم، والرصاص يعوي، حلقك ناشف، ولم يكن في يدك، ما تبلين به الريق الرماد ! الخوف يُعدي.. أتخيله- صحفي (رويترز): كان يتلفت مثلك، وهو يرخي أذنا إليك، ويرخي الأخرى لمن– حتما- سيطرقها ليقول، بلغة ناشفة: قلنا إن الكلام ممنوع، فلماذا تحاول أن تتكلم مع نزيلة في هذا المعسكر؟ أتخيله وهو يكتب عنك، حتى وهو في دولة من العالم الحر، كان لا يزال يتلفت، وهو يستذكر ما قلت، وهو ينقر على لوحة المفاتيح، حلمك البسيط.. البسيط جدا، يا فاطمة، ليطيّره إلى أركان الدنيا! الخوف يُعدي.. أصبحت خائفا مثلك- يا فاطمة الحلم البسيط المستحيل- أصبت مثل زميلي في مهنة البحث عن المتاعب، أتلفت وأنا أكتب عنك، في زمن أصبحت فيه الكتابة عن امرأة تحلم بزيارة قبر زوجها وابنها الأكبر، مدفونان في قرية كانت، رجسا من عمل الشيطان.. والشيطان يكمن في التفاصيل! في التفاصيل: يا فاطمة، عن أي قبر تتحدثين (وقبر حرب بمكان قفرُ، وليس قرب قبر حرب، قبرُ)! في التفاصيل: لا قرية يافاطمة، ولا (شاهد قبر).. في التفاصيل يا فاطمة: صاح آخر الرجال المحترمين، في القرية: انج سعد، فقد أهلك سعيد، لكن لا سعد نجا، ولا كرر آخر الرجال المحترمين، الصيحة! في التفاصيل يا فاطمة: حلمك بسيط جدا، لكنه حلم امرأة هُزأة! في التفاصيل: أنت يا فاطمة الآن في هذا المخيّم البائس، وقدرك أن تظلي فيه، لأنك (الكرت الرابح) للوردات الحرب، وتجار الحرب: وكل المستفيدين من ألا تسكت النيران، وتنطفي المصابيح المُغبرة التي لا تضيء كما ينبغي، في مخيمات الظلم والظلام! في التفاصيل: أنت يا فاطمة سبب ثراء.. أنت نعمة.. أنت– واعذريني يا أمي- أنت بقرة حلوب! في التفاصيل: احلمي يا فاطمة حلمك البسيط.. هذا كل ما تبقى لك في هذه الدنيا.. احلمي وتلفتي، وأنت تبوحين بصوت خفيت، بهذا الحلم، لكل صحفي يشاهد مأساتك، وحين ينقرها على لوحة المفاتيح، لا ينقرها إلا بخوف، هو من خوفك على الإدلاء بالمزيد من التفاصيل! أولم أقل لك يافاطمة إن الخوف يعدي؟ بلى قد قلت، وأنا كلي أرتعد، في زمن الحرب، ولوردات الحرب، وتجار الحرب،وأغنياء الحرب.. في زمن الأحلام البسيطة، التي لا مكان لها.. تماما مثل قريتك تلك التي يرقد في شبرين من باطن أرضها زوجك، وابن الأكبر!.... آه.. آه يا فاطمة.. آه.. آه من القبور المنسيّة، تلك التي لا شاهد عليها.. ولا من أحد يجرؤ أن يقودك إليها.. ولا من أحد يمكن أن يجرؤ على الكلام! آه، حتى الكلام أصبح يثير فيك وفينا الخوف- يافاطمة.. ياذات الحلم البسيط، البعيد المنال!