وزير الدفاع في القاهرة..ماوراء الزيارة! تقرير: منذ إعلان وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي في الثالث من يوليو الماضي عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عن الحكم ووضع خارطة الطريق لمرحلة انتقالية جديدة في مصر، والسودان ملتزم بدقة متناهية بعملية النأي بنفسه عن تعقيدات المشهد المصري الملتهب والمتحفز،معتبراً ما يجري فيها شأن داخلي لايجوز اقتحامه أو التطفل عليه، موقف لم يجد الترحيب من قبل الحكومة الجديدة في مصر لكنه حظي باحترامها في ظل معرفة الجميع لطبيعة العلاقة التي تربط الحكومة السودانية بجماعة الإخوان المسلمين، وأن البعض كان ينتظر موقفاً آخراً كان كفيلا – في حال حدوثه – بإدخال العلاقة الثنائية في نفق لا نهاية له. لم يصدق أحد في مصر بأن الخرطوم كانت ملتزمة بذلك رعاية لمصالحها الاستراتيجية مع مصر، فبعض وسائل الإعلام التي تتعامل مع الشائعات باعتبارها حقائق ثابتة عملت على التحرك في مساحات واسعة من الفبركة والاستناد إلى روايات بعضها من عضو سابق بجهاز المخابرات المصرية قال - بنفسه عن نفسه - بأنه يستقي هذه المعلومات الخطيرة من خلال تردده على المقاهي العامة ومطالعة المواقع الإلكترونية، وتبارت بعض القنوات والصحف المصرية في نشر خطابات مدعاة من نوعية أمير الدولة الإسلامية في السودان عمر البشير يرسل خطاب إلى أمير الدولة الإسلامية بمصر محمد مرسي وعد الأول الثاني بإشعال الجبهة الجنوبية وإمداد أمير الدولة الإسلامية الثالث في فلسطين إسماعيل هنية ليشعل من جانبه حدود مصر الشرقية، اتبع ذلك بالحديث عن هروب مرشد الإخوان محمد بديع إلى السودان قبل أن يخرج الرجل ليخاطب أنصاره من قلب مدينة نصر بالقرب من وزارة الدفاع وجهاز المخابرات، لكن الدولة المصرية بكل ما تملك من أدوات وأجهزة كانت على يقين بأن الخرطوم التزمت الحياد بل وعملت على التواصل مع الطرف المصري لبحث بعض القضايا ذات الاهتمام المشتركه معظمها بطابع أمني،لكن هذا التعاون لم ينعكس على المستوى السياسي أو الاقتصادي بل تم التصعيد الإعلامي كما ذكرنا سابقاً وعملت بعض الأطراف المصرية على رفع سلاح دعم المعارضة السودانية ممثلة بالجبهة الثورية وقطاع الشمال التي ظلت تسعى إلى موضع قدم بالقاهرة وعملت هذه الجهات على تدشين غير رسمي لعمل الجبهة بمصر قبل أن تتراجع بعد لقاءات أمنية تمت بين المعنيين أشار فيه السودان إلى خطورة اللعب بهذه الورقة وأن الجميع قادر على استخدام المعارضة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يترافع بفشل هذه الفكرة التي جربت على مدار عقود دون فائدة. ولم يكن الوضع الاقتصادي أفضل حالاً حيث جمدت كل المشاريع بصورة كاملة خلال الشهور الستة الماضية بما فيها افتتاح الطريق الشرقي( قسطل – حلفا) الذي كان يعد لافتتاحه في يوليو الماضي إلا أن الأحداث الداخلية بمصر أدت إلى تجميد هذا المشروع بكل مايحمل من نقطة تحول في مستقبل التعاون بين البلدين بقدرته على توفير أرضية مناسبة لارتفاع حجم التبادل التجاري وتسهيل عملية انتقال البشر والبضائع. وزير الدفاع وصول وزير الدفاع الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين إلى القاهرة أمس يؤشر إلى رغبة الطرفين في المضي إلى الأمام بهذه العلاقة بغض النظر عن بعض الاختلافات الفكرية أو السياسية – لطبيعة الحزب الحاكم هنا أو هناك-وضرورة الاستناد إلى لغة المصالح والبعد عن الشعارات التي تشكل أحد أبرز أسباب قعود هذه العلاقة حتى الآن، والعمل على استئناف التواصل الذي لم ينقطع طيلة الشهور الماضية واستمر على المستوى الأمني بالاتفاق على تأمين الحدود بدوريات عسكرية مشتركة كما أعلن ذلك رئيس حزب الوفد المصري سيد البدوي الذي يرأس حزبه أكبر تحالف داعم لخطوة الجيش بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، وهو ذات المعنى الذي لمح إليه سفير السودان بالقاهرة كمال حسن علي خلال لقائه برئيس حزب الوفد أمس الأول، يضاف إلى ذلك الزيارات التي تمت خلال الشهور الماضية من قبل وفود عسكرية بين البلدين،أهمها زيارة رئيس أركان الجيش السوداني فريق أول مصطفى عثمان عبيد إلى القاهرة والمشاركة في احتفالات مصر بنصر أكتوبر ومباحثاته مع نظيره المصري الفريق صبحي صدقي، فضلا عن الاتصالات المتعددة بين وزيري الدفاع في البلدين، والاتفاق الذي يبحث بشأنه منذ شهور بإنشاء قوة مشتركة على غرار التجربة السودانية – التشادية فضلا عن اتفاقات عديدة تمت بين الطرفين في إطار تبادل الخبرات العسكرية بين البلدين، وإيفاد ضباط بالجيش السوداني لتلقي التدريبات بهيئة الأركان المصرية ومنها وفد موجود حالياً بالقاهره التقاه الوزير عبدالرحيم خلال زيارته الحالية، مايؤكد بأن العلاقة بين المؤسستين العسكريتين لم تنقطع وظلت بطابعها الخاص، وتعمقت هذه العلاقه بصورة أكبر بعد الثورة المصرية وزيارة الرئيس عمر البشير للقاهرة ولقائه بالمشير حسين طنطاوي وقادة الجيش في مصر آنذاك. السياسة ..غير سياسياً لم تكن مصر راضية من مواقف السودان حيال الكثير من القضايا الإقليمية وعلى رأسها موقف الخرطوم من تجميد عضوية مصر بالاتحاد الإفريقي الذي تصفه القاهرة – بالسلبي- بالرغم من محاولاتها المستمرة من التواصل عبر زيارة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي للخرطوم في أول زيارة خارجية له بعد عزل مرسي، وسعيه لتبني السودان لهذه القضية وآخرها في قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة بأديس أبابا، لكن ذلك لم يحدث وتلمح القاهرة إلى أن دول مثل جنوب السودان وليبيا وموريتانيا وجيبوتي بذلت جهوداً كبيرة في هذا الإطار دون أي تحرك ملموس من قبل الخرطوم التي كانت تراهن مصر على قيامها بدور مقدر قياساً بأدوار سابقة ترى القاهره بأنها بذلتها لصالح السودان في الاتحاد الإفريقي وفي قضية الجنائية الدولية وحتى في الأممالمتحدة بقيادتها لتكتل (عربي – إفريقي) دعماً للسودان، وبالرغم من أن الدبلوماسية السودانية قد أعلنت في لقاءات ثنائية عديدة تمت في عواصم مختلفة دعمها لمصر لكن ذلك لم يتوج بجهود ملموسة وتستند مصر في ذلك على خلو خطاب الرئيس البشير في خطابه أمام القمة الإفريقية من أي إشارة لمصر، يضاف إلى ذلك التباين الواضح من سد النهضة الذي تعارضه مصر ويرى فيه السودان مصالح جمة له وتذهب القاهرة بأن الخرطوم تتخذ هذا الموقف اعتماداً على مصالحها السياسية مع أثيوبيا برعايتها لمف السلام بين الأطراف السودانية ولمفاوضات الخرطوم وجوبا وأنها تتجاهل الجانب الفني في القضية والآثار الخطيرة المترتبة على قيام السد بمواصفاته غير الملائمة-حسب تقديرها- وبأن الحكومة السودانية "تجامل" أديس أبابا وأن دورها في مباحثات الخرطوم بين وزراء الري بالدول الثلاث دون المأمول. كرتي بالقاهره قريبًا بعد زيارة وزير الدفاع للقاهره ينتظر أن يغادر إليها وزير الخارجية علي كرتي في محاولة لرسم ملامح المرحلة المقبلة، التي تقوم ركائزها الاساسية على إعلاء المصالح المشتركة، فالبعض يرى أن هذه العلاقة على مدار العقود الماضية اعتمدت على الشعارات والمشاعر دون تركيز يذكر على المصالح الحقيقية، لذلك فإن جدول زيارة الوزير كرتي سيبحث - عملياً- في تفعيل اتفاقية الحريات الأربع والنظر في افتتاح الطريق البري الرابط بين البلدين الذي يعد أحد أبرز ملامح المرحلة الجديدة بما يملك من قدرة على فتح آفاق أكبر للتعاون الاقتصادي .. المحور الأهم في هذه العلاقة لكن التعامل معه ظل دائماً ثانوياً، وهذا ماتؤكده الأرقام إذا لم يتجاوز التبادل التجاري بين البلدين 700 مليون دولار خلال العام الماضي وهو اعلى معدل وصل إليه التبادل وهو رقم أقل من حجم التجارة بين مصر وتركيا –فقط-في مجال السلع الغذائية التي بلغت خلال ذات العام 800مليون دولار بحسب وزارة الاستثمار المصرية. محاولات بعض المستثمرين بالبلدين لخلق استثمارات متبادلة اصطدمت بالقوانين المقيدة التي ظلت على حالها ولم تواكب الاتفاقات السياسية التي تقف على مايبدو عند حد التوقيع والاحتفال والحريات الأربع أكبر دليل على ما نقول إذ إنها لم تتحرك خطوة للأمام منذ التوقيع عليها في العام 2004 بل أن أبسط بنود هذا الاتفاق مازال عاجزاً عن التنفيذ مثل حرية التنقل ناهيك عن التملك أو الاستثمار، بل وشهد التبادل الاقتصادي تراجعاً ملحوظاً منذ انفصال الجنوب جراء الاوضاع الاقتصادية الداخلية بالسودان وانخفاض الجنيه مقابل الدولار والهزة الاقتصادية التي تعانيها مصر بعد ثورة 2011وتذبذب العلاقة السياسية. وزير الري ينتظر دوره الواضح بأن هناك تحرك سوداني كامل للتعامل مع المشهد الجديد للعلاقة ولمعالجة القضايا المشتركة من جميع جوانبها فبعد زيارة وزيري الدفاع والخارجية سيتحرك إلى مصر وزير الموارد المائية والكهرباء السوداني معتزموسى لبحث ملف مياه النيل وسد النهضة الهاجس الأكبر للدولة المصرية والصداع الذي يضرب بجميع الرؤوس المصرية إذ إن القاهرة لما لها من تحفظات بهذا الخصوص لم تبدأ حديثا بل ابتدر الخلاف في هذا السد أثناء حكم الإخوان وقد شهدت أحد اللقاءات التي جمعت وزير الكهرباء والري السوداني السابق المهندس أسامه عبدالله بمساعد رئيس الجمهورية المصري السابق عصام حداد الذي انتقد الموقف السوداني من القضية ودعا الخرطوم لتغيير موقفها مادفع الوزير أسامه بالتصريح للحداد وقتها بأن السودان اتخذ موقفه بالموافقة الكاملة على السد وأن على مصر انتهاج الحور سبيلا لحل الازمة والا ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع أمر واقع، حينها وقف الحداد رافضاً الحديث ومعتبره تهديداً صريحاًَ لمصر وتجاوزاً غير مقبول على حد تعبيره، وبعدها سعت القاهرة للتواصل المباشر مع أثيوبيا وطلب منها وزير الخارجية المصري السابق محمد كامل عمرو بفض الآلية الثلاثية التي تضم مصر والسودان وأثيوبيا وتشكيل آلية ثنائية تستثني الخرطوم وهو مارفضته أديس أبابا وأصرت على الابقاء على ذات الآلية، كل تلك المواقف تشير بوضوح إلى أن العلاقة مع مصر الإخوانية لم تكن "سمن على عسل" وتأخر زيارة الرئيس السابق محمد مرسي للخرطوم دليل آخر، فضلا عن نصائح كثيرة كانت توجهها قيادات الإخوان في مصر للحكومة السودانية يضاف إليها موقف عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة حيال بعض الاحتجاجات الداخلية في السودان وتصريحه – وقتها – في حضور بروفسور ابراهيم غندور الذي كان يرافق مساعد الرئيس السابق نافع علي نافع في زيارته للقاهرة بدعم مصر لثورة الشعوب، كل ذلك جعل الخرطوم متحفظة حيال الكثير من الامور المتعلقه بمصر. ففيما يتعلق بملف مياه النيل فان الموقف السوداني بات واضحا للطرف المصري وان الجهود المبذولة حاليا تتجه لاستمرار الحوار الثلاثي، والعمل على معالجة مخاوف سلامة السد التي تشغل الحكومة السودانية والاتفاق على فترات ملء السد بصورة لا تلحق الأذى بمصر.