(فكت) كلمة يتداولها عامة الناس يصفون بها الامور والاحداث عندما تخرج عن مسارها الطبيعى نستعيرها لنصف من خلالها امور الوطن احوالها واحداثها التي لم يعد لها رابط في كل مناحي الحياة . كنت في احدى المجالس مساعدا لكبيرها في بدايات انقلاب النميري _رحمه الله_ رن جرس الهاتف بمكتبي (التلفون ابو منفلة) باتصال من مهندس المجلس يطلب حضوري عاجلا لمكتبه فأسرعت ووجدت الباب مغلقا فطرقته، وجدت وفدا من شباب احدى القرى والأجواء متوترة داخل المكتب سارعت إلى تهدئة الامور لاستوضح المشكلة. تحدث احدهم انهم حضروا لشأن من شؤون قريتهم يقع في اختصاص القسم الهندسي، حضورهم كان متزامناً مع شعار مايو المرفوع (التعليم كالهواء والماء ) وعلى كل من يرغب من سكان القرى تشييد ما يشاءون من مرافق الخدمات بما سمي آنذاك بالعون الذاتي، بدعة كانت لها آثارها المدمرة على مرافق الخدمات من تعليم وصحة فيما بعد وعلى القوى البشرية التي اوكل اليها لاحقا ادارة هذه المرافق. كان الناس عطشى للخدمات شيدوا مبانيها بلا مواصفات فنية جلها بالمواد المحلية (قش وطوب ولبن ) مجرد رواكيب، يطرقون ابواب المجالس وفدا وراء وفد صعودا إلى المديريات والى المركز ظلت بعض مبانى تلك الخدمات بدون كوادر ادارية لفترات طويلة أو معينات. وجدت السلطة نفسها امام معضلة. لا معلمين أو اطباء لا ممرضين لا كتاب ولا كراس ولا وسائل اجلاس ناهيك عن صلاحية تلك المباني التي انهارت معظمها مع بدايات الخريف مما دعا وزير الحكومات المحلية آنذاك (جعفر بخيت) في محاولة لتدارك اخطائه ليصلنا منشور بمسمى (ترشيد العون الذاتي) وألا تشيد تلك المرافق إلا بناء على مواصفات فنية ميسرة اما ما تم تشييده من قبل فأصبح واقعا لا فكاك منه لجوءا إلى التعيين العشوائي لمعلمين من الفاقد التربوي فتدهور المستوى التعليمي ليكحلها سوادا السلم االتعليمي وأيضا كوادر صحية غير مؤهلة من الممرضين وبلا شهادات ومرات فراشين. تعود بي الذاكرة عندما كانت الوحدات الحكومية تسعى للجامعات بحثا عن اكفأ الخريجين لملء وظائفها لم تكن تكتفي بذلك بل تعقد امتحانات تنافسية بينهم تليها مقابلات شخصية لقياس المهارات بعيدا عن المحسوبية أو العنصرية وبلا حاجة لاداء لجان الاختيار قسما غليظاً لشفافية ادائهم كما هو حادث الآن. نعود لصاحبنا الذي وجدته في حال يرثى له من الخوف والهلع والذي كان يعتري جميع رجال الخدمة المدينة تحت سيف شعار (التطهير واجب وطني )الذي رفعه اهل اليسار .نطق كفرا حينما قال لاولئك الشباب المتحمسين وبينهم بعض اليساريين ذاكرين له أن لديهم طاقات يريدون تفجيرها فسخر منهم بقوله "تعالوا فجروها" ضاربنا بيده على عضده مضيفا (اصلو فكت ) فانبرى له احد الشباب مخاطبا زملاءه "هيا بنا للخرطوم لنسأل نميري عن ما يقصده المهندس". مرعوبا قام المهندس وكان ذا نكتة بقفل باب مكتبه وشبابيكه عليهم جميعا حالفا بالطلاق أن تلك الكلمة لن تخرج من مكتبه إلى أي مكان آخر فكان أن اتصل بي، قمت بتهدئة الشباب الثائر إلى أن خرجوا بسلام فقلت له مازحا الناس ديل لو وصلوا الخرطوم كان ودروك . يبدو لي وانا اتمعن في احوال الوطن حقوله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية وحال خدمتنا المدنية أن الكلمة التي نطق بها ذلك المهندس وقبل اربعة واربعين عاما اصبحت واقعا معاشا نشاهده اينما اتجهنا نعايشه كظلنا لا تغيره الفصول الاربعة تسبقنا الى دواوين الدولة والاسواق مدارسنا وجامعتنا الى اسرنا ومنازلنا ابنائنا وبناتنا اصبح المجتمع السوداني يعاني من انحطاط خطير تفككت اطرافه لم تعد قيم المروءة، النخوة، صون العرض، العفة والشرف، صدق القول، لا وجود لها في معاملاتنا اليومية اصبح البعض فاسدا ليس في نفسه وانما لغيره ايضا فحب الذات _ والاصغر منك دوسه_ شعار الكثيرين. بدأت جذور الخدمة المدنية في التعفن ومع السنوات تصاعدت الى السوق . يعتقد البعض خطأ أن امراض الخدمة المدنية قد بدأت مع قيام الانقاذ، الواقع هناك أن عاملين قد ساعدا الاتحاد الاشتراكى القائم على بدعة تحالف قوى الشعب المستمد من قبيلة اليسار عندما سارع كثير من كبار رجالات الخدمة المدنية للانضمام لا عن قناعة وانما حماية لانفسهم من التقارير التي قد ترفع من بعض صغار الموظفين والعاملين من المنسوبين كلمة واحدة منهم تكفي (عدم الولاء السياسي) لظهور اسمك في كشف الصالح العام وان كنت محظوظا لتذهب الى موقع آخر في منافي السافنا الفقيرة .كنا نملك بعض الشجاعة التي قاربت أن توردنا التهلكة . قدم احدهم عددا من الفواتير (صيانة عربات ) استدعيت رئيس الحسابات مستفسرا عن وجود ميزانية تخص امانة الاتحاد الاشتراكي هم جيراني من الشمال وفي نفس المبنى بعد أن اخلوها من الكتب. نفى واردف كنا بنصرف لهم من قبل. لاحظ أن الرد به خوف فقلت لهم ( ابيت) اصيب الشخص بدهشة فخرح .صباح اليوم التالي طلبت الامانة باكملها الاجتماع فرفضت ايضا الصرف الا بوجود بند وصلتني انباء الصباح بأن الامانة في اجتماع مع المحافظ بشكوى انني اوقفت النشاط السياسي (ياللطامة !! رحت في داهية ) عادوا الى المنطقة بوعد من المحافط وهو في نفس الوقت امين الامانة على مستوى المحافظة بانه سيحضر الى المجلس لبحث الامر وقد كان اخطرت للاعداد الاجتماع مع الامانة وكنت على علم بمدى كراهية اعضاء المجلس المنتخبين انتخابا حرا لاولئك المتسلبطين من اعضاء امانة الاشتراكى بدأوا بهجوم ساحق لشخصي فنبرى رئيس المجلس بهجوم مضاد لصالحي وتكهربت القاعة . المحافظ كان رجلا حكيما واعدا اياهم بانه سيتم تغطية الفواتير من الرئاسة. سقت الحادثة لادلل على مدى الارهاب الذي كان يمارسه ذلك النظام على الخدمة المدنية والله كانوا بلطجية كما يقول جيران الشمال يارب نسألك إن كان في بلطجية الآن؟؟؟ حيادية الخدمة المدنية ومركزيتها مطلوبة بل ضرورة تقتضيها الظروف التي تمر بها البلاد وليعملوا في جو من الامن النفسي وبلا خوف من ؟؟؟؟؟، ومن؟؟؟؟؟؟ اما العامل الثاني فهو الحكم الاقليمي الذي طور الآن بما يسمى مرة اتحادي ومرة فيدرالي. قطع اوصال البلاد واحيي وعمق القبلية كل قبيلة تحارب الاخرى لا ترضى عن فلان أو فلان يشترطون على الدولة مناصبها لابنائهم دون الآخرين . وين نحن؟؟؟ نستورد احدث نظم الحكم من العالم المتحضر، بلاوي لا تحصى ولا تعد. مثال بسيط احدى المجالس كانت سلطته من الحدود الاثيوبية شرقا حتى اطراف الخرطوم الآن 5 معتمدية وهيلمانة قبلها ليس بفترة بعيدة كان به 3 ضباط مجلس . حكاويك توجع القلب وين ديل نوديهم.