في الوقت الذي انشغل فيه الرأي العام السوداني والمهتمون بتحليل ومتابعات الحراك السياسي الجاري، والحديث عن لقاء مرتقب بين قيادتي حزبي المؤتمر الوطني والشعبي؛ غادر الأمين لحركة التحرير والعدالة بحر إدريس أبو قردة بهدوء إلى ميدان قواته بالقرب من محلية كتم بولاية شمال دارفور، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، ليعود للتو ويواجه أجهزة الإعلام بالمثير عن الأوضاع، ليرمي بالحجر في البركة الساكنة. يبدو أن وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبو قردة، اغتنم الفرصة الحاضرة، لينفض الغبار عن حركته التي خبت شعلتها بعد الانشغال بالاستوزار والوظائف والمحاصصة مع الحكومة، وفقاً لاتفاقية الدوحة. فالرجل ربما اختار أن يدقّ ناقوس الخطر عبر زواية تشكل أساس بناء اتفاقية الدوحة، وركناً مهماً من أركانها معضداً موقفه بزيارة ميدانية وقف فيها على آخر تطورات الأوضاع بجيش حركته في موقفه بين الغضب والإهمال، فأبو قردة في حديثه أمس بدار حركته بالخرطوم، استطاع أن يوصل رسالته إلى الجهات التي يرغب في إيصال الصوت إليها، وربط نجاح الاتفاق بتنفيذ الترتيبات الأمنية، فقد اعتبر أن التحدي الأساسي للحركات الثورية، يكمن في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، ويمثل حجر الزاوية؛ وحال عدم تنفيذه، فإن عواقبة تبدو وخيمة على كافة الأوضاع. ومضى محملاً الحكومة السودانية مسؤولية تأخير التنفيذ، إذ اعتبر أن التباطؤ والتأخير في إحصائية عددية قواته، ونقص الترتيبات المالية، أهم عاملين وراء تأخير الاتفاق، مشيراً إلى أنهم قدموا إحصائية للحكومة بعدد 21 ألف جندي، إلا أن الحكومة كذبت تلك البيانات وطالبت بالوقوف ميدانياً على تلك العددية، وعندما وصلت إلى الميدان وجدت أن العدد فاق 40 ألف جندي، مما دعاها إلى العودة مجدداً، وقبول ذات الإحصائية التي قدمتها حركته، واستطرد: "تم الاتفاق على استيعاب أربع كتائب، ثلاث منها في الجيش، والأخرى في الشرطة، على أن يتم الاتفاق على معالجة بقية أوضاع القوة بواسطة مفوضية إعادة الدمج والتسريح المعروفة ب(DDR)"، مشيراً إلى أنه قابل قائد قوته عبد الله بندة، واتفق معه على ضرورة تسريع الخطى في الترتيبات الأمنية، بل رهن تحول حركته إلى حزب سياسي بتنفيذ الترتيبات الأمنية، غير أن الرجل أشار إلى دوافع أخرى حتمت عليهم التحرك لإنجاز المهام الموجودة للمساهمة في الحراك السياسي الجاري. أبرز تلك القضايا استفتاء الإقليم والانتخابات والدستور. ونفى أبو قردة حديث أحد قيادات الحكومة عن الاتفاق على عدد 76 ضابطاً، مشيراً إلى أنهم يعملون وفقاً لما ورد باتفاقية الدوحة، غير أنه أشار إلى جانب آخر يحمل الرفض ضمنياً للاندماج في المؤسسات النظامية المعروفة، منوهاً إلى التزامهم مع الحكومة على نزع سلاح المليشيات ومن ثم دمج قواتهم وفقاً لاتفاق الدوحة، مطالباً الحكومة بالجدية في تجهيز المبالغ المطلوبة لتنفيذ عملية الترتيبات الأمنية ليحول المواقف إلى المحك العملي للوقوف على وجه التقصير. فترة حرجة في محاولة للدفع باتفاق الدوحة إلى الأمام، أقر بحر أبو قردة بعدم كفاية الفترة المتبقية من عمر الاتفاقية، واصفاً إياها بالحرجة، مستطرداً: "إذا ما عملنا حسابنا الفترة غير كافية"، لجهة عدم إنجاز وتنفيذ الكثير من بنود اتفاقية الدوحة، ويأتي حديث الرجل بعد مضي أكثر من سنتين ونصف من عمر وثيقة الدوحة المبرمة في 14 يوليو 2011م، إلا أنه عزا التأخير إلى تعديل جداول الاتفاق من قبل الحكومة. وتعرض أبو قردة في ثنايا حديثه إلى ما يجري في الساحة السياسية وملف دارفور، مشيراً إلى أن عملية السلام بدارفور لا تكتمل بصورة شاملة، إلا بالتحاق غير الموقعين، ولعل دعوته الحكومة لطرح رؤيتها للحل وفقاً لمبادرة سلام دارفور بقيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية شملت مبادرة "صديق ودعة وملتقى أم جرس"، تؤكد إرهاصات ربما تفتح الملف مجدداً، لافتاً إلى ما سماه الأثر الإيجابي لتلك التحركات على دعم السلام في دارفور. وفي منحنى آخر، اعترف أبو قردة بخلافات ضربت صفوف حركته، إلا أنه أكد على مقدرتهم على المحافظة على وحدتهم، ودفع بنفي عن ما أشيع عن تقديم استقالات لمكتب حركته بالسويد، وما تبعها من حديث عن تقديم القيادي بحركة ونائب والي شرق دارفور أحمد كبر استقالته من الحركة، وقال إنه موجود وعضو في مجلس القيادة؛ لكن رغم حضور عدد من قادة الحركة على رأسهم بخيت ضحية وخالد الرزيقي، إلا أن غياب رئيس الحركة ورئيس السلطة الإقليمية ونائبه ياسين يوسف، وهو نائب رئيس الحركة للترتيبات العسكرية؛ ترك علامة استفهام. وباستفسار (السوداني) عن غيابهما تأكدت مغادرة رئيس الحركة د.تجاني سيسي إلى العاصمة البريطانية لندن، غير أن الثاني لم تصل لمعلومات عن ما وراء غيابه. باستصحاب المعطيات الواردة وظهور أبو قردة في دار حركته؛ يتضح أن الرجل أراد تحريك ساكن مؤسسته بعد الركود الذي أصابها بفعل انشغال أعضائها بالسلطة، ويؤكد ذلك حديثه عن ضرورة إسهامهم في قضايا الدستور والانتخابات واستفتاء الإقليم، بجانب الحراك السياسي الجاري، ليصبحوا ضمن حلقات الحوار في السودان.