د. عبد العظيم ميرغني إبراهيم الزول المحول وراثياً "إن كنت ترغب في أن تعمر طويلا فاختر لنفسك ابوين معمرين ثم ابتعد عن سكة العربات" هكذا يتندر علماء الوراثة ويتفكهون بالقول للإشارة لتأثير العامل الوراثي في إطالة مدى العمر الطبيعي للانسان وليدللون في ذات الوقت على استحالة استغلال الإنسان لأساليب الوراثية التقليدية في إطالة مدة عيشه في هذه الفانية. ولكن قياساً بما حققته التجارب المعملية على بعض الحيوانات باستخدام علوم الهندسة الوراثية الحديثة فقد صار هناك أمل كبير في إحداث زيادة هائلة في متوسط العمر المتوقع للإنسان بنهاية هذا القرن مما يجعل بالإمكان أن يكون هناك "زول" محور وراثياً بمتوسط عمر يبلغ ستة أضعاف متوسط عمر الإنسان الحالي. فإذا سارت الأمور مع الإنسان مثل سيرها مع حيوانات التجارب المعملية كالفئران مثلاً التي تمكن العلماء من تحوير بعض مورثاتها أو جيناتها من رفع متوسط أعمارها بنسبة خمسين في المائة، أو كالديدان التي تمكنوا بذات الطريقة من إطالة اعمارها اعمارها ستة اضعاف متوسط عمرها الطبيعي، فإذا سارت الأمور على هذا المنوال ونجح العلماء في تطبيق علوم الهندسة الوراثية على البشر فسوف يعني هذا إمكانية أن يتعدى متوسط عمر الإنسان الثلاثمائة عاما بنهاية القرن الحالي. ويعتقد العلماء أنه بحلول العام 2050م سوف تتضاعف أعمار الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين أربعة أضعاف أعدادهم الحالية بحسب التقدم العلمي والطبي، وأن أعداد الشيوخ ستتفوق حينها على أعداد الأطفال للمرة الأولى في تاريخ البشرية لتصبح الشيخوخة أبرز تحول سكاني في التأريخ. وعندها سيكون العلماء مواجهين بحل معضلة الكيفية التي يجعلون بها تلك السنوات الإضافية لعمر الإنسان سنوات أكثر إبداعا وإنتاجا وتوافقا مع الحاجة. ومما سيشغل بال العلماء حينها أيضاً: الكيفية التي يكون عليها حال العالم بعد أن يتسيده المسنون والشيوخ والكهول. والسؤال المهم الذي يطرحه العلماء الآن هو: ما الفائدة التي ستجنيها البشرية من إطالة أعمار أفرادها؟ فالمسنون كما هو معلوم لا يتمتعون بذات القدر من القدرات الذهنية والإبداعية التي يتمتع بها الشباب الذين في عشرينات العمر، وهي الفترة التي يبلغ فيها العطاء والإبداع البشري أوجه قبل أن يبدأ في التدهور والانحسار بعد سن الأربعين. ومما يؤكد هذه الحقيقة دراسة أجريت على 300 من العباقرة توصلت إلى أنهم أنجزوا أفضل إختراعاتهم واكتشافاتهم العلمية خلال الفترة العمرية 25 – 35 عاماً. فنيوتن – مثلا- كان في الرابعة والعشرين من عمره عندما اكتشف قانون الجاذبية العامة، وبول ديراك كان طالب دكتوراة عندما صاغ نظريته التي أدت إلى اكتشاف ما يسمي باللامادة anti-matter، واينشتين كان في السادسة والعشرين عندما تمكن في بضع شهور فقط من وضع نظريته في النسبية التي خلطت الزمان والمكان في فضاء رباعي الأبعاد متعدد الجوانب وجعلت المطلق نسبيا والمستقيم محدبا وغيرت نظرة الناس للعالم والكون وبدلت مفاهيم كل شيء. والنابغة الهندي شاندرا سيخار الذي مات في سن الثالثة والثلاثين خلف وراءه إرثاً رياضياً حار معاصروه من شيوخ وعباقرة الرياضيات من فك طلاسمه والإحاطة به. والفرنسي باسكال اكتشف وهو في سن الثالثة عشرة "أن مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين"، وحقق في سن السادسة عشر اكتشافاته العلمية المذهلة (نظريات الهندسة الإسقاطية). وجيمس واتسون وزميله فرنسيس كريك اللذين اكتشفا البنية الحلزونية المزدوجة لجزيء مادة الدنا المورثة (أهم اكتشاف في مجال البيولوجيا في القرن العشرين) كانا في عمر الخامسة والعشرين والسابعة والثلاثين، على التوالي. وأعجوبة زمانه الإمام الغزالي ألف خلال مدة حياته التي لم تتجاوز 55 سنة من الكتب ما قيل إن تصانيفه لو وزعت على أيام عمره لأصاب كل يوم كتاب. والإمام المهدي توفاه الله بعد أن حقق ما هو غير عادي، في زمن غير عادي من حيث قصر المدة والعمر. كل الدلائل تشير إلى أن القدرة العلمية الإبداعية الخلاقة تبدأ في التلاشي بعد منتصف العمر وأن مخ الشخص الراشد السليم الذي يتألف من حوالي 100 مليار خلية عصبية تقريبا يبدأ في فقدان خلاياه هذه مع تقدم العمر. فكيف سيكون حال العالم إذن بعد أن يتسيده المسنون؟ أما اينشتاين فقد جاء وهو في سن السادسة والعشرين بنظريته في النسبية التي خلطت الزمان والمكان في فضاء رباعي الأبعاد متعدد الجوانب وجعلت المطلق نسبيا والمستقيم محدبا وغيرت نظرة الناس للعالم والكون وبدلت مفاهيم كل شئ.بحلول العام 2050؟ أولاً سوف يكون هناك أكثر من ملياري شخص في حاجة إلى برامج عناية خاصة ووسائل حياة تتلاءم مع أنماط العيش البطيء الملازم لسن الشيخوخة. كما ستتباطأ الاختراعات والاكتشافات العلمية. ولأن "الحاجة أم الاختراع" فسوف تتطور صناعة الأجهزة المعينة على السمع والبصر وتطوير مقاعد مسنين وعجزة مزوّدة بأجهزة تحديد المواقع الجغرافية واستشعار العوائق والمطبات عن بعد. كما ستزدهر اعمال التأمينات والمعاشات هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى فقد يصبح العالم أكثر تعقلاً واتزاناً وتجربة، وربما صار عالماً خاليا من الحروب وأسلحة الدمار الشامل. ويزيد هذا بدوره من متوسط عمر الإنسان، مما يجعل مثلنا الشعبي "أم جركم ما بتأكل خريفين" فاقداً لمعناه تماماً، حيث سيكون في وسع "أم جركم" أن تأكل على مر الأعوام ومدار المواسم دون أن يكدر صفوها مكدر سوى هاجس "مرض لبيد" الذي عمَّر حتى سئم الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد".