من جديد اشتعلت حرب التصريحات داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي ظل بمثابة (قلادة) تلازم قياداته عقب وقوع أي مشكل سياسي بالبلاد، آخر فصول هذه الأزمة وقعت أمس الأول حينما أصدر الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل تعميما صحفيا تبرأ فيه من كل ما يصدره القيادي بالحزب الناشط لإسقاط النظام "التوم هجو" من تصريحات، على خلفية ما بدر منه في الآونة الأخيرة وبالتحديد عقب اشتعال الحرب بالنيل الأزرق وانضمامه لقوات الجيش الشعبي التابعة للحركة الشعبية بقيادة الفريق مالك عقار. وقال الحزب إن أي تصريحات لاتصدر من هيئته القيادية المتخصصة بالتنسيق مع مكتب الإعلام والنشر لا يعتد به ولا تعبر عن رأي وموقف الحزب في كافة القضايا السياسية مشيرا الى أن للحزب مؤسساته المعروفة التي تدرس وتتخذ القرارات في كافة القضايا فضلا عن وجود ناطق رسمي له توكل إليه مهام التصريح عن مواقفه وأردف التعميم الصحفي أن ما يصدره "التوم هجو" باسم الحزب لا يعبر عن رأي الحزب. نفي التعميم بالمقابل كذب رئيس اللجنة الإعلامية بالحزب علي نايل ما ورد بالتعميم كاشفا عدم إصدار الحزب أي بيان بخصوص تصريحات هجو بجانب عدم اتخاذهم أي قرار بشأنه وقال نايل ل(السوداني): "سبق أن رفضنا شرط رئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير حينما ربط أمر مشاركة الحزب الاتحادي، بتبرّؤ الحزب من عضوية كل من علي محمود حسنين، والتوم هجو، لتبنيهما خطًاً واضحاً لإسقاط النظام. حيث كان قد أبلغ الرئيس في حديث خاص لصحيفة (الأخبار) أن دخول الحزب الاتحادي في الحكومة المقبلة "رهينٌ بحسم وضع نائبه علي محمود حسنين، والقيادي التوم هجو اللذين يروجان لإسقاط النظام"، وأوضح البشير أنه أكد للميرغني أنه "لا يستقيم عقلاً أن يكون لدينا حزب يشغل بعض قياداته مناصب دستورية في الدولة؛ وفي ذات الوقت تتنقل قيادات أخرى منه في الخارج تدعو وتحشد لإسقاط النظام". وخيّر البشير بوضوح تام مولانا الميرغني، بأن عليه أن يختار الآن بين "التبرؤ مما يدعو له حسنين في لندن، والانضمام للحكومة، أو الانحياز لما يدعو له نائبه بالعمل ضد النظام، وذلك حتى تتمايز الصفوف"، يومها رفضنا بشدة حديث الرئيس ومطالبته الحزب بالتبرّؤ من عضويه-الحديث ما زال لنايل-، وعدّه تدخلا في إدارة شأن الحزب، ووصف الحزب تصريحات الرئيس بأنها "غير لائقة في إطار الممارسة السياسية وتحدّى الحزب في بيانه، المؤتمر الوطني بأن أساليب الترغيب والترهيب، "لن تجدي مع قياداته لاتخاذ موقف لا يتماشى مع النهج الذي ارتضته مؤسساته في معالجة قضايا الوطن والمواطنين"، ومضى نايل قائلا: ما الذي جدَّ حتى نتخلى عن موقفنا، وأردف: "ماذا قال هجو حتى نتبرأ منه؟". موقف جديد لكن يبدو أن هنالك جديد في الموقف بيد أن بيان الأمس جاء كرد فعل لموقف المؤتمر الوطني مما يعني تغير موقف الحزب وعزمه التخلص من قيادييه اللذين يقودان خطا متشددا ضد الحكومة، خاصة عقب الحملة الشرسة الذي قادها رئيس منبر السلام العادل المهندس الطيب مصطفى في عموده المقروء بالانتباهة على رئيس الحزب الاتحادي، غير أن علي نايل قلل من الخطوة ووصف مروج البيان ب(المرتزقة)، وقال إنه يعمل لصالح الحزب الحاكم. رافضا بشدة تحديد موقف واضح من قيادييه "علي محمود حسنين، والتوم هجو" قاطعاً بأن لا أحد يملي عليهم بأن يكون لديه رأي في قياداته. لكن في حال النظر الى مواقف الحزب الاتحادي في الآونة الأخيرة نجدها متضاربة، وما أن يقع أي حدث حتى تندلع المواجهات داخل الاتحادي وتبدأ حملة التصريحات مما يشير الى انعدام المؤسسية بداخل الحزب العتيق، هذا النوع من التضارب حدث إبان الانتخابات الأبريلية السابقة وعند اندلاع التمرد بالنيل الأزرق ففي الوقت الذي أكد فيه الحزب رفضه للحرب، كان أحد قياداته البارزة مساندا للحرب ومشاركا فيه، لكن القيادي البارز بالحزب الاتحادي يس عمر حمزة قال ل(السوداني) إن المزاج الاتحادي يغلب دائما على الموقف الحزبي في هكذا مواقف وأردف: "هذه شيم أحزاب الوسط لا يستطيع أحد أن يحكم على أعضائه سياج تنظيمي محكم لضبط مواقفهم" مستبعدا وجود خلل تنظيمي بحزبه. فيما يرى مراقبون أن الحزب لم يعد يتمكن من بسط سيطرته على قياداته وأعضائه، وبات عبارة عن مظلة كبيرة يستظل بها من يريد ثم يتركها ويذهب إلى حال سبيله، وقضية التوم هجو، العضو البارز في الحزب ومرشحه لمنصب الوالي بولاية سنار في الانتخابات الأخيرة، هي أوضح مثال على حالة "السيولة" التنظيمية التي يعيشها الحزب، فعقب اندلاع الأزمة بالنيل الأزرق الذي كان يشغل هجو مستشارا لحاكمها أصدر الحزب بيانا عبر فيه عن قلقهم عن مصير هجو الذي بات في عداد المفقودين، محملا الحكومة السبب في اختفائه، لكن لم تمر 48 ساعة من صدور البيان إلا وظهر هجو بجانب عقار في مؤتمره الصحفي الذي عقده بمدينة الكرمك، مما يؤكد أن الحزب لم يكن يعلم شيئا عن هجو لاسيما تحركاته وعلاقاته بالحركة الشعبية، وهذا ماعضده المحلل السياسي د.أسامة زين العابدين واصفا الحزب الاتحادي ب(الهلامي) يعاني من خلل هيكلي وتنظيمي بجانب أن قياداته غير متماسكة وعزا ذلك لغياب رئيس الحزب المتواصل خارج البلاد مما أحدث حالة من التفلت داخل صفوف الحزب وبات الكل صانع القرار بداخله وقال زين العابدين ل(السوداني): "الاتحادي لا توجد به مؤسسات موحدة معروفة مناط بها اتخاذ القرار"، وأردف: "لذا تتناطح القيادات في مواقف الحزب" واعتبره نتاجاً للضعف الهيكلي في بنية الحزب لافتا الى مساهمة هذا الوضع في الانشقاقات التي ضربت الحزب في الآونة الأخيرة. غير أن ثمة من يرى أن ما يجري داخل صفوف الاتحادي بمثابة عملية منظمة ومدروسة، تتم عبر توزيع أدوار بعينها، ولكنها فى المقابل تخدم رؤية الحزب وقياداته ممثلة فى شخص مولانا الميرغني، ويستدلون على ذلك بأن الحزب بإمكانه حسم ما يوصف بالتصريحات المتناقضة عبر حسم تلك التفلتات فى مهدها.