:: للمرة الثانية على التوالي، خلال هذا الشهر، تصدر لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة قراراً بإيقاف الصحيفة عن الصدور.. قبل شهر، بخطاب من لجنة الشكاوى تم تعطيل صدور الصحيفة، بتهمة إجراء حوار مع (شخصية عامة).. واليوم، تتلقى إدارة الصحيفة خطاباً آخر من ذات اللجنة يطالب بالتوقف عن الصدور يومين خلال (48 ساعة)، بتهمة إجراء تحقيق حول (قضية عامة).. وبالمناسبة، لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة يرأسها الدكتور فضل أحمد عبد الله، المعارض الثوري والناطق الرسمي لحركة غازي صلاح الدين المسماة (الإصلاح الآن).. ولذلك، نسأل أنفسنا والناس بكل دهشة، كيف يجمع قلب المرء -وعقله- بين الشيء وضده، بحيث يُصلح بالنهار و(يُخرب بالليل)؟. :: ومساء الإثنين الفائت، بقناة النيل الأزرق، كانت حلقة برنامج (حتى تكتمل الصورة) تناقش الوضع الراهن للصحافة، وفيها قلت بالنص: (الصحافة السودانية هي المجرم الوحيد في العالم الذي تحاكمه أربع جهات بأربع عقوبات في قضية واحدة).. نعم، قد تجري الصحافة حواراً مع شخصية عامة أو تحقيقاً حول قضية عامة أو تنشر خبراً يُخص عامة الناس والبلد، فتغضب لجنة فضل الله على النشر وتعاقبها بالإيقاف يوماً أو ثلاثة، ثم تغضب سُلطة الإجراءات الاستثنائية وتعاقبها بالإيقاف عاماً أو أكثر، ثم تحال القضية إلى نيابة الصحافة فتعاقبها بحظر النشر لحين اكتمال التحري، وبعد كل هذه العقوبات تحال القضية إلى المحكمة فتعاقبها أيضاً. :: ثلاث سلطات - من تلك الأربع - تحاكم الصحافة بالإيقاف وحظر النشر رغم أنف دستور البلد والمحكمة الدستورية المنوط بها مهام حماية دستور البلد من الانتهاك.. لجنة فضل الله بمجلس الصحافة تعلم تماماً أنها غير مفوضة - دستورياً وقانونياً - بسلطة إيقاف الصحف، ولذلك دائماً ما ترسل قرارها للصحيفة المستهدفة مساء الخميس، فالجمعة والسبت إجازة، ولن تتمكن الصحيفة من إيقاف تنفيذ القرار بحكم قضائي، أو كما حدث في أكثر من سابقة. ورغم السوابق التي أثبتت عدم مشروعية قرارتها، لم تتعلم لجنة فضل الله من أخطاء نهجها، أو ربما تعلمت ولكنها تتمادى في الخطأ لتحلل حوافز عضويتها.. وعليه، نقترح لوزارة المالية دعم (حركة الإصلاح الآن)، بحيث تكون قادرة على تحفيز قيادتها، وبهذا نكون قد جنبنا الصحف عناء تحليل حوافز لجنة فضل الله أحمد عبد الله، المناضل الثوري وأحد دعاة الإصلاح (بالنهار طبعاً)!!. :: أما نيابة الصحافة، فهذه أمرها عجب.. خلال أسبوع فقط لا غير، حظرت النشر في قضية مكتب والي الخرطوم، وكذلك حظرت النشر في قضية وكيل وزارة العدل، ثم حظرت في قضية توقيف الإمام الصادق المهدي.. ومن أخبار البارحة، تسرب غاز ثلاجات فاسد إلى البلاد، وعليه نترقب اليوم أو غداً حظر النشر في (حنك الغاز ده).. بأي قانون تحظر النيابة؟، وما علاقة التحري بالنشر؟، وكيف يتأثر التحري بالنشر؟. أسئلة نطرحها ذاتها منذ سنوات، ولا إجابة غير المزيد من (حظر النشر).. هكذا حال الصحافة في بلادنا، تحاكمها أربع سلطات بأربع عقوبات في قضية واحدة، وهذا ما لم يحدث لكارلوس، أشهر إرهابي على وجه الأرض.