ليس هنالك أدل على نهجنا فى إهدار الفرص السهلة والفشل فى التقاط الحلول الملقاة أمامنا على قارعة الطريق والعجز عن الصيد على السطح قبل أن تغوص الأزمات الاقتصادية والسياسية فى الأعماق ويتطلب انتشالها روافع وأيادي أجنبية بالغة الكلفة سوى إهدارنا لعائدات النفط فى السنوات العشر الماضية التى شهد فيها الاقتصاد السوداني عهدا ذهبيا لا مثيل له فى الإنفاق الإداري والتطاول فى بناء الأبراج الاسمنتيه التى مازالت بعض المؤسسات الحكومية تتسابق فى تشييدها على أشكال هندسية بديعة تغطيها واجهات زجاجية ملساء عوضا عن استثمار أموال بترول الجنوب الذى كان بين أيدينا قبل أن تلاحقنا الآن التهم بسرقته ويتم تهديدنا باللجوء الى المحاكم الدولية وهى أموال كانت يحوزة السودان بنسبة مائة فى المائة فى السنوات الخمس الأولى ومن بعدها سنوات تنفيذ اتفاقية السلام بنسبة خمسين بالمائة دون إنفاق أمني لم يتم استثمار تلك الأموال وتوظيفها فى تأهيل المشاريع الزراعية وتطوير قطاع الثروة الحيوانية لتوسيع مواعين الموارد غير البترولية التى تعتبر ملكا حرا غير خاضعة لضغوط وتطورات سياسية داخليا وخارجيا، تفاجأت الحكومة بانفصال الجنوب الذى وقعته بيدها فى اتفاقية حفظ الشعب السوداني بنودها خلال مطالعته لها عبر وسائل الإعلام الداخلية والخارجية بسبب التشاكس العنيف حول تنفيذها من قبل الأطراف الموقعة ثم صدمت من التداعيات الاقتصادية والأمنية المتوقعة لانفصال الجنوب وذلك لانتهاج الحكومة نهج أشعب الأكول الذى مارس الكذب على الأطفال ثم هرول خلفهم مصدقا الكذبة التى أطلقها بنفسه على نحو ما كانت تقوم به وزارة المعادن التى كانت ترسل قبيل الانفصال تقارير يومية للصحف مثل نشرة أحوال الطقس تبشر فيها بقدرة عائدات التعدين الأهلي للذهب على سد فجوة بترول الجنوب والآن على الحكومة أن تعي درس بترول الجنوب وأنها مهما وضعت توقيعها المسكين المرتجف فى اتفاقيات داخلية وخارجية لتحصيل رسم عبور البترول او لتنفيذ مشاريع فى مجالات التنقيب عن الذهب او غيرها لن تجد سوى القطاع الزراعي لتصحيح مسار الاقتصاد السوداني بشرط أن يقوم الاستثمار الزراعي على نهج علمي والآن الفرصة قائمة أمام الحكومة فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة لاستغلال القروض الممنوحة فى تطوير القطاع الزراعي مثل مشروع سدي ستيت وأعالي نهر عطبرة الذى اكتمل تمويله بتوفيق من الله وقطع العمل فى تشييده مراحل متقدمة وتم مؤخرا توقيع عقد لتمويل كهرباء المشروع بقرض بقيمة 111 مليون دولار مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي وتكمن أهمية سد ستيت فى زيادة الرقعة الزراعية بمشروع حلفاالجديدة الذى تقلصت مساحاته نتيجة لانخفاض السعة التخزينية لبحيرة خزان خشم القربة من 1.3 مليار متر مكعب إلى حوالي 0.6 مليار متر مكعب نتيجة ترسب الأطماء بالبحيرة بجانب توليد الطاقة الكهربائية بإنشاء محطة توليد بسعة 320 ميقاوات ولكن من أهم المشاريع المصاحبة لمشروع مجمع سدي أعالي عطبرة والذى يعتبر فى رأيي بديلا للبترول إذا ما تم استثماره فى مجال الإنتاج الحيواني. هو مشروع ستيت الزراعي المقترح بولاية كسلا بمساحة مليون فدان. ثاني أكبر مشروع زراعي فى السودان بعد مشروع الجزيرة. يجب أن يتم دراسة استثمار هذا المشروع فى قطاع الإنتاج الحيواني كمشروع نموذجي لتسمين وتربية الماشية، خاصة وأن الاستثمار فى هذا المجال بالرغم من وجود كافة مقومات نجاحه من ثروة حيوانية ومراعي وبنية تحتية وكودار مؤهلة من خريجى كليات البيطرة والزراعة وهو مجال غير مطروق ولا تتعدى التجارب فى مجال الإنتاج الحيواني بصوره تجارية سوى إنشاء عدد من المسالخ والمحاجر البيطرية ، استثمار مشروع ستيت فى مجال الثروة الحيوانية يحمل قاطرة من الجدوى والمنافع للاقتصادية منها توفير العملة الصعبة من خلال مساهمة صادر الثروة الحيوانية بالإضافة الى توفير اللحوم للاستهلاك المحلي كما أن الاسثمار فى مجال الثروة الحيوانية عبر مشاريع نموذجية مثل مشروع ستيت من شأنه أن يفتح الباب أمام صناعات اللحوم والجلود والألبان وصناعة العلف بجانب خلق وظائف للخريجين محليا، يمكن أن يساهم المشروع فى إحداث تغيير اجتماعي كبير وتنمية المنطقة ومحاربة الأمراض المستوطنة بالمنطقة واستقرار الرحل وتقليل حدة النزوح والمجاعات المتكررة ويجب أن يتم قبل الشروع فى هذا المشروع إقامة مزارع تجريبية نموذجية لتسمين الماشية فى قرى مشروع القاش. عموما إن استثمار المشاريع الزراعية مثل مشروع ستيت فى مجال قطاع الثروة الحيوانية لتحقيق مكاسب لدعم الاقتصادي الكلي وتنمية المجتمعات المحلية وتحقيق التغير الاجتماعي المنشود يتطلب المزيد من الدراسات العلمية وهذا ما يجب أن تقوم به الجامعات الإقليمية بالولايات الشرقية الثلاثة. أعتقد أن هذا هو دور الجامعات الإقليمية حتى لا تبدو تلك الجامعات واجهة للموازنات الجهوية. محمد على اونور