بقلم : محمد الطاهر العيسابي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته بالأمس حدثني " بألم " أحد الأصدقاء الأعزاء من مدينة بورتسودان الحبيبة يقيم بحي " سلبونا " عن معاناتهم مع أزمة المياه، وبورتسودان بالنسبة لي مرتع الصبا وحنين الذكريات، تحدث الرجل وأخرج من صدره زفرات بحُرقة وألم على ما آل إليه الحال والعطش في حيّهم العريق، فمنذ أمدٍ بعيد ظلت (حنفايتهم ) موضوعة في المتحف ولم تلامسها مياه منذ العام 1983 من دون أحياء المدينة ، فالماء التي يتحدث عنها هي (ماسورة ) داخل حفرة في أحد أركان البيت أو الشارع تزورها قطرات المياه لدقائق معدودات فيملأ منها الناس مواعينهم، ثم ينتظرونها في نفس الميعاد وكثيراً ما تخلف بوعدها فحتى هذه لم تعد موجودة منذ سنوات، ففي الفترة الأخيرة حاول جاهداً ومشكوراً " محمد طاهر إيلا " والي الولاية بحل مشكلتهم ببعض المعالجات وذلك بتوفير خزانات ذات سعة كبيرة بالحي أو محطات يقوم سكان الحي بشراء المياه منها، وللأسف حتى هذه " الخزانات " قد جفّت وتوقفت الخدمة فيها منذ أكثر من أربعة أشهر فأصبحوا كمن " رضوا بالهم والهم ما راضي بيهم " ! مصروفات مياه الشرب في " حيّ سلبونا " ببورتسودان، أصبحت تماثل كيس الخضار والإيجار، إذ يضطر سكانها إلى شراء المياه من " تناكر " خاصة ، بمئات الجنيهات، وهي مشكلة قديمة متجددة عجزت حكومات الولاية المتعاقبة في ايجاد حل ناجع يسقي الناس ويزيل عنهم المشقة والبأس . فإن كانت المعاناة في بعض أحياء المدينة أخف ضرراً ففي " حي سلبونا " وصلت حد " لا يطاق " أزمة تنوء بحملها الجبال . وثقتنا في رجل الولاية " ايلا " المهموم بمواطنيه أن يسعفهم بقدر الامكان، الى أن يفتحها الله عليهم بحل شامل وفرج قريب. شعرت في أنفاس الرجل الذي حدثني الحسرة و " الاحباط " على فقدهم لأهم ضروريات الحياة الذي جعل الله منها كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، بعد أن انتظرته وقد أكمل و أخرج هواءً ساخناً، قمت بمواساته وكلانا يعزي الآخر، قلت يا أخي الكريم هذه مدينتكم البعيدة عن النيل وعلى سطحها وفي غورها ماء أُجاج ، فما بالك من العاصمة التي ترقد على النيل وتحتضنه ففي سطحها وفي جوفها ماء فرات، ورغم ذلك يعاني سكانها من شح المياه وعجزت العقول أن تجد الحلول حتى أصبحت " زي ابل الرحيل شايلة السقا وعطشانه " وبالفعل ليس ذلك " مبرراً " أن يحرم الناس في اي بقعة بالسودان من " حق " مياه الشرب النظيف، ولكنها كانت " تسليّة " لتهدأ الأنفاس . دعونا نضرب مثالاً مابين المملكة العربية السعودية وفقرها للمياه " لنحمد الله " على ما وهبنا من " خيرات " ونستمد منهم العزيمة والاصرار وفي ذهننا " فارق الامكانيات " ولكننا لا ننسى أيضاً الفارق الكبير في توفر المياه العذبة على سطح وداخل أرض السودان الامر الذي لا يحتاج لكثير " عناء " ولنر كيف تلهث الدول في توفير المياه . يقول معالي وزير المياه والكهرباء السعودي ، " إن المملكة تعاني من ندرة المياه لمحدودية المصادر والنمو السكاني المتزايد الذي يولد ضغطاً على المياه لجميع الأغراض، وباختصار فقد انخفض وسينخفض المتاح للفرد من الماء، ولا شك أن منطقة الخليج بصفة عامة وشبه الجزيرة العربية بصفة خاصة تعتبر من ( أفقر ) مناطق العالم مائياً، ومع تزايد السكان تدهورت ثرواتنا المائية المتجددة وغير المتجددة، ونحن في انتظار ما تجود به التقنية من حلول ولابد من معالجة واقعنا ونرشد من استهلاكنا للمياه، ففي الثلاثين سنة الماضية استهلكنا قرابة 500 مليار متر مكعب من المياه زراعيا ومدنياً، وتلبي تحلية مياه البحر التي تم تبنيها كخيار استراتيجي لمعاضدة مياه الشرب نصف الاحتياجات من مياه الشرب في المملكة، حيث ننتج حوالي 20%من إنتاج العالم من مياه البحر المحلاة وما نسبته 42%من إجمالي إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من ارتفاع تكلفة مياه البحر المحلاة " . لنقارن التكلفة المرتفعة والجهد الكبير الذي تبذله المملكة السعودية خاصة والخليج عامة للحصول على المياه، فالعاصمة السعودية الرياض كمثال تقطع انابيب المياه مئات الكيلومترات لتحمل المياه " المحلاة " من محطات التحلية على الخليج العربي ب " الجبيل " لتسقي الملايين من السكان . مقارنة بالمياه المتوفرة ببلادنا علينا أن نشكر الله، والحلول " أسهل " بكثير من هذه الدول " اللاهثة " وراء المياه، فإن فكرنا في ثغر السودان فهو يرقد في حضن البحر ولا تحتاج مياه التحلية لعناء " النقل " وان قلنا العاصمة ومعظم مدن السودان فهي محازية للنيل والبعيدة منه ففي جوف الأرض مياه غزير، فلماذا نصير كإبل الرحيل ! . إلى لقاء ...