زيارة الساعتين.. مرور يكسر الحواجز!! منذ تمام الثالثة عصرا أو قبلها بقليل، كانت معظم وسائل الإعلام متواجدة في الصالة الرئاسية بمطار الخرطوم.. نوع الاحتشاد وكثافة الصحفيين، والمواضيع محل النقاش، كانت تشابه زيارات الرؤساء المصريين السابقين، حسني مبارك ومحمد مرسي، حيث لم تخلُ زياراتهم من اهتمام عالي المستوى، وتوقعات بأجندة المباحثات، قبل انعقادها وبعد انتهائها. وتكرر الأمر، أمس الجمعة، في زيارة عبد الفتاح السيسي، الذي توافد إليه في استقباله عدد من السفراء المعتمدين، لم يكن بينهم السفير القطري، حيث وقفوا في باحة المطار، تحت أشعة الشمس، ينتظرون وصوله، ومن ثم نزوله من سلم الطائرة في تمام الساعة الخامسة عصرا. الخرطوم: لينا يعقوب - خالد أحمد الخبر الذي انتشر مساء أمس الأول، بزيارة عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم، كان يحتاج إلى تأكيدات من جهات مسئولة، توضح شكل البرنامج وأجندة اللقاء، ودواعي الزيارة، وإن كانت بمبادرة أم بدعوة. غير أن ما تحصلت عليه (السوداني) أن السيسي أبلغ النائب الأول بكري حسن صالح خلال اللقاء الذي جمعهما في غينيا الاستوائية نيته زيارة الخرطوم وأنه سيصل في الثالثة عصرا، ليجري بعدها مباحثات مع الرئيس البشير في بيت الضيافة. ويبدو أن البرنامج الذي تغير شفاهة على ألسن عدد من الناس منذ ليلة أمس الأول، حتى ظهر أمس، بقي كما هو، بتعديل في مواعيد الوصول.. بعد أن تأخرت الطائرة المصرية في الهبوط لساعتين. نصف ساعة تحدث الرئيسان خلالها بالمطار، ركبا بعدها سيارة رئاسية واحدة، وتحركا باتجاه بيت الضيافة، حيث تحدثا سويا بمفرديهما وأيضا وسط حضور وزراء ومسئولين كلا الدولتين. ساعة فقط لم تزد أو تنقص، عاد بعدها الرئيسان مجددا إلى المطار، ليدليا بتصريحات مقتضبة وسط ابتسامة كانت بادية على وجهيهما. نقاش (السودان – مصر) لماذا جاء السيسي إلى الخرطوم؟ وهل تشكل زيارته أو مروره على الخرطوم لساعتين دلالة أو أهمية على مستقبل العلاقة بين البلدين؟ سؤال بسيط لكنه يحمل إجابات متعددة وفتح الباب واسعا أمام نقاشات متنوعة من قبل الإعلاميين المتواجدين في المطار وأيضا في مجموعات (الواتساب) بالهاتف.. العلاقات السودانية المصرية من أكثر المواضيع التي تكثر فيها الآراء وتتنوع خلالها التحليلات.. فالتوتر الخفي بين البلدين والذي يظهر غالبا على المستوى الإعلامي وليس الرسمي أو الشعبي، يدل على القضايا الخلافية بينهما أهمها مياه النيل وحلايب. وعادة لا تخلو أسئلة الصحفيين من هذين القضيتين، ويبدو أنه السبب الذي جعل منظمي الزيارة والواقفين على أمرها أن يبلغوا ممثلي أجهزة الإعلام أن لا أسئلة ستطرح، وعلى الجميع الاكتفاء بتصريحات الرئيسين. أثناء النقاشات رأى البعض أن دول الخليج كانت تنظر للسودان قبل فترة كأنها أحد الدول المعادية باعتبارها مؤيدة لحكم الإخوان السابق وغير محبذة للتيار الجديد الذي بدا أنه تيار حسني مبارك. وأيضا أن الإعلام المصري لم يكن متحركا بهذه الطريقة العدائية من تلقاء نفسه إنما بدافع من مؤسسات رسمية وصاحبة قرار أو بتحريض من مسئولين يعملون في أجهزة سيادية، وانتقل الحديث في ذات الاتجاه ليرى البعض إن كانت الحملة التي قامت بها بعض الأقلام الصحفية أدت أغراضها ونتائجها..وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض. وعلى النقيض الآخر.. مازال هناك من يرى أن أهمية تحسين العلاقات السودانية المصرية، والنظر لزيارة السيسي أو لأية خطوة مصرية بصورة إيجابية وأكدوا أهمية إبعاد التوتر في العلاقة لإحداث اختراق حقيقي فيها. تصريحات رئاسية ثلاث دقائق، كانت مدة التصريحات الرئاسية، أكد خلالها الرئيسان على متانة العلاقات التي تجمعهما. تحدث البشير أولا شاكرا الإعلاميين على الحضور، والرئيس المصري على القدوم رغم مشغولياته، وأشار إلى أنهما ناقشا العلاقات الثنائية وأيضا بؤر الصراع الظاهر حاليا في الإقليم.. وتحدث السيسي ثانيا شاكرا الرئيس والحكومة على حسن الاستقبال والضيافة، وأراد أن يبدي نوعا من التخصيص على شكل العلاقة، فقال "نحن نعتبر السودان جزءا من مصر".. ومع انتهاء العبارة تغيرت ملامح وزير الخارجية علي كرتي قليلا.. إلا أن السيسي واصل تصريحاته بتأكيد أن هناك مواقف داخل المنطقة تحتاج إلى تنسيق بين البلدين، وأنهما سيعملان عليها لوجود مصالح مشتركة. ورغم أن العبارة جاءت عفوية في نطقها وأراد السيسي أن يظهر من خلالها ودا تجاه السودان، إلا أنهما حملت تفسيرات عديدة من قبل الإعلام المتواجد.. وأجرى الصحفيون مقارنة، إن كان الرئيس البشير قال عبارة "نحن نعتبر مصر جزءا من السودان" كيف سيكون ردة الفعل المصري أو الإعلام المصري حينها؟؟!. دلالات الزيارة تعتبر زيارة الرئيس السيسي للخرطوم حتى وإن حسبت بالساعات القصيرة إلا أن لها مدلولات سياسية ودبلوماسية كثيرة ومتعددة خاصة حالة التوجس التي تتبادلها الخرطوموالقاهرة بعد الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي ورفض الخرطوم لهذا الاجراء واتهام القاهرة للخرطوم بان هنالك مساندة للإخوان من قبلهم.. وبين هذا وذاك نمت حالة من البرود جعلت منصب السفير السوداني بالقاهرة خاليا لفترة من الوقت. وفي تصريحاته الأولى، قال سفيرنا في القاهرة عبد المحمود عبد الحليم عقب التصريحات الرئاسية أن الرئيس البشير أكد على الأهمية التي يوليها السودان لعلاقاته مع مصر وأن أمن واستقرار مصر مهم لاستقرار افريقيا والعالم العربي، وأشار إلى ضرورة تكثيف الجهود في الفترة المقبلة وتعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات. وقال السفير إن السيسي أكد من جانبه نيته زيارة السودان منذ مدة طويلة وشجع على ضرورة تفعيل العلاقات الثنائية وآليات التعاون المشترك، موضحا أن الرئيسين أمنا على ضرورة تبادل الزيارات واتفقا على تكثيف جهودهما خلال المرحلة المقبلة لنقل العلاقات السودانية المصرية الى آفاق ارحب، فضلا عن تعزيز العلاقات لدرء اي خلافات يمكن أن تنشب بين البلدين، وقال إن زيارة البشير لمصر ستكون في المرحلة القادمة، وأن اجتماعات لجنة التجارة والصناعة بين السودان ومصر ستعقد قريبا في الخرطوم وكشف عن زيارة لوزير الري المصري يوم الثلاثاء المقبل، وقال إن الجانبين اتفقا على الحوار لحل مشكلات سد النهضة، وتأمين المصالح المشتركة، ولم ينس عبد المحمود أن يشير إلى أن زيارة السيسي كانت بمبادرة من الجانب المصري. سجل العلاقة منذ وصول حكم نظام الإنقاذ للحكم في العام 1989م *30 يونيو 1989م: مصر تعلن ترحيبها بالتغيير الذي حدث في السودان بالإطاحة بحكومة السيد الصادق المهدي وقيام حكومة الإنقاذ الوطني عبر تحرك عسكري قاده الرئيس عمر البشير.*4 أغسطس 1990: بداية أول توتر بين الخرطوموالقاهرة على خلفية غزو العراق للكويت حيث وقفت مصر كليا ضد الغزو ودعمت تدخلا عسكريا دوليا لتحرير الكويت، فيما تحفظ السودان على ذلك. *1990: توتر في مثلث حلايب بالتزامن مع توتر العلاقة بين البلدين، قابله السودان برفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي وهي الشكوى الذي ظل السودان يجددها باستمرار. *1991: القاهرة تستضيف أعدادا كبيرة من المعارضين السودانيين الذي بدأوا يتحركون بتشكيل التجمع الوطني الديمقراطي المعارض، وكان أبرز المعارضين محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي اختير لاحقا رئيسا للتجمع ومبارك الفاضل المهدي الأمين العام للتجمع والقيادي بحزب الأمة وفاروق أبو عيسى الذي كان يعمل أمينا عاما لاتحاد المحامين العرب الذي كانت له مواقف من النظام الجديد في السودان، كما أن القاهرة في التسعينيات استضافت لأول مرة رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق رغم تحفظاتها على توجهات الحركة فكريا وسياسيا، في نفس الوقت استضاف السودان في التسعينيات مجموعات إسلامية كانت على عداء مع نظام الرئيس محمد حسني مبارك. *1995: جرت محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، ولم تمر أيام حتى اتهمت القاهرةالخرطوم بالتورط في المحاولة لتصل العلاقة بين البلدين أسوأ حالاتها، فقد تقدمت مصر بشكوى ضد السودان لدى مجلس الأمن وبسببها أُصدرت ثلاثة قرارات أدانت السودان وطالبته بتسليم المتهمين في محاولة الاغتيال. وصلت تلك القرارات حد العقوبات على شركة الخطوط الجوية السودانية لكنها لم تنفذ لأسباب إنسانية. انتهى توتر ذلك العام باحتلال مصر لمثلث حلايب، فجدد السودان شكواه في مجلس الأمن. 1997م: زار النائب الأول الأسبق لرئيس الجمهورية الزبير محمد صالح القاهرة، معها بدأت تعود العلاقة تدريجيا بين البلدين. 1999: طرحت مصر مبادرة لإحلال الوفاق بالسودان بالتعاون مع ليبيا لذا عرفت بالمبادرة المصرية الليبية واعتبرت مبادرة متوازية مع مبادرة الإيقاد لإحلال السلام. 2000م: توقيع اتفاق بين البشير ومبارك يجعل من حلايب منطقة تكامل بين البلدين. 2005: رحبت القاهرة بالتوقيع على اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان. 2005م: القاهرة تشهد توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية والتجمع الوطني الديمقراطي. 2010: الرئيس المصري مبارك والزعيم الليبي معمر القذافي في زيارة مشتركة للسودان في محاولة أخيرة للحيلولة دون انفصال الجنوب السوداني عن الشمال. 2011: قيام ثورة 25 يناير في مصر والإطاحة بمبارك وهو أمر قابلته الحكومة بالترحيب العميق. 2013م: الرئيس المنتخب د.محمد مرسي يزور الخرطوم. وأثارت الزيارة جدلا واسعا في الإعلام المصري لا سيما ما قيل عن وعد قدمه مرسي لمساعد الرئيس موسى محمد أحمد بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في حلايب قبل العام 1995. 2013م: الإطاحة بمرسي، والرئيس البشير يقول في مؤتمر صحفي إن شعرة معاوية هي ما تبقى في العلاقة بين الخرطوموالقاهرة بعد التغيير الذي حدث في مصر. 2014: علي كرتي وزير الخارجية والفريق أول عبد الرحيم محمد حسين أول مسؤوليْن سودانييْن يزوران القاهرة بعد الإطاحة بمرسي.