(عايرة وأدُّوها سوط..!!) حتى قبل عقدين فقط؛ من الزمان، كان السودانيون لا يتحدَّثون ولو (همساً) عن هموم المعيشة، بل مُجرَّد من يُلمِّح للحديث في هذا الموضوع يُعدُّ في نظر المجتمع من (الخائبين)، لكن الناظر لحالنا اليوم يجد أن الآية (انعكست) تماماً لدرجة أنَّه أصبح من لا يتحدَّث عن هموم (المعايش) يُنظر له باعتباره واحداً من اصحاب (الحظوة) الذين تئنُّ موائدهم بما لذَّ وطاب من طعام دون يعرف سعر كيلو اللحمة أو رطل الزيت أو (ملوة) البصل..!! لقد سبَّب همّ (المعايش) للناس هلعاً؛ لدرجة لفتت انتباه الحكومة ليس بقصد كبح جماح الاسعار - طبعاً – لأنها غير قادرة على ذلك بشهادة نائب رئيس البرلمان ورئيس القطاع الفئوي بالمؤتمر الوطني سامية أحمد محمد؛ والتي اتهمت الحكومة بعدم المقدرة في التدخل في آلية السوق لكبح جماح زيادة وارتفاع الأسعار، مؤكدة عدم مقدرة البرلمان على التدخل في السوق لكونه جهازا تشريعيا، وأنَّ الأسواق مسؤولية الجهاز التنفيذي (الحكومة). الخرطوم : بخيتة تاج السر (حتى السخينة اتعزَّزت!!) موجة غلاء غير مسبوقة تشهدها الاسواق السودانية بلا استثناء، هذه الايام، ارتفعت بموجبها اسعار زيوت الطعام، اللحوم، البصل والألبان وصولاً الى اسعار جنونية حيث قفز سعر (جركانة) زيت الفول من (170) جنيهاً الى (550) جنيهاً، بينما وصل سعر كيلو اللحمة (70) جنيهاً للضأن، أما جوال الفحم فقد ارتفع سعره من (60) جنيهاً قبل شهر رمضان المنصرم الى (400) جنيه؛ هو سعره الآن. إذاً فتلك هى بعض مُقوِّمات (حلَّة الملاح)، ولمناقشة الموضوع بتفاصيله قمنا بجوله مطوله بدأناها برصد لحال ربات المنازل لمعرفة مصروفاتهن اليومية حيث بدأنا بالمواطنة بخيتة مدني حيث قالت: الناس في السودان بقوا طبقتين الاولى تملك كل شيء والأخرى تفتقر لأبسط الاشياء الحياتية فرب الاسرة يعمل ليل نهار لكن رغم ذلك مصروفاته اليومية لا تتناسب مع دخله خصوصاً بعد غلاء الأسعار، كُل دكان يبيع بسعر مختلف عن الآخر والمشكلة خلال اربع وعشرين ساعة يتضاعف سعر السلع الاستهلاكية والأسر البسيطة ذات الدخل المحدود تقف على وجبة واحدة في منتصف اليوم مكونة من حلة ملاح او عيش من غير سلطة تكلفنا في اليوم مبلغ (50) جنيها وفي المساء نكتفي فقط بكوب شاي أحمر قبل النوم وحينما نحتج على غلاء الاسعار بيقولوا لينا الخضار غرق)، ولمن أشتري دقيق زادنا الكيلو( 6) جنيه بغرض (العواسة) وتخفيض المصاريف اجد انها لا تكفي لوجبة واحدة فنعود للبحث عن الرغيف لإكمال وجبتنا يعني ما عملنا حاجة باختصار شديد بقينا في حالة جوع دائم، ولو قلنا نرجع لي عهد (السخينة) الزيت غ إلى والبصل والمرقة (يجيبوهن من وين؟) . فوضى ضاربة الأطناب وفي ذات اتجاه من سبقتها بالحديث مضت شادية الطيب – ربة منزل- حيث قالت: أسرتي مكونة من (6) افراد الحياة كل يوم ماشة في زيادة ما معروف الحاصل شنو بقينا نأكل في اليوم وجبتين من غير سلطة او فواكه، فالرغيف الذي نشتريه ب( 10) جنيه يا دوب يكفي لي وجبة واحدة (كنت بشتري اربعة ارطال لبن لعشاء اولادي الصغار وشاي الصباح لكن بعد أن قفز سعر الرطل الواحد الى اربعة جنيهات لم يكن امامي خيار سوى حرمان أولادي الكبار منه حتى أوفره لشاي الصباح) . أما الأستاذة سهام الطيب فقالت : الأسعار مرتفعة جدا والمصيبة انها تختلف من تاجر لآخر (كل تاجر يبيع على كيفه) ولذا يفترض أن تكون هناك رقابة على أصحاب الدكاكين في الأحياء والأسواق وتتوحد الأسعار فقد ظللنا يومياً في دوامة المصاريف بدءاً بشاي الصباح ومرورا بوجبة الفطور المتواضعة جدا والتي لا تزيد عن فول وعيش ولكن ثمنها لا يقل عن ال(15) جنيها، اما عن وجبة الغداء التي تحوَّل زمنها الى بعد مغيب الشمس فهي حتى لو تكونت من (زيت، بصل، صلصة وأي نوع من الخضروات) فلا تقل تكلفتها عن ال(50) جنيهاً علماً بأن السواد الاعظم من الاسر اصبح دخلها محدودا يعني أصلاً لا يوجد لدينا دخل يتناسب مع مصروفاتنا اليومية. (ثُمُن كيلو لحمة!!) وتقول آيات شداد – موظفة- قبل زيادة الدولار كانت مصاريف الحياة اليومية بسيطة أما بعد رفع الدعم عن المحروقات فقد اصبح التجار يبالغون في زيادة الأسعار كل يوم يكون ضعف اليوم الذي يسبقه والآن اصبحت المعيشة ضنكا ففي الماضي كنت اصرف على البيت بتوفير كافة مستلزماته وبدخر جزء من المرتب وبنزول والدي للمعاش أصبحت المسئولة عن مصروفات المنزل بقينا نشتري ما تيسر من اللحمة كل أسبوع ونقسمها إلى اجزاء صغيرة لتوصلنا إلى آخر الأسبوع ولقد اضطررنا للاستغناء عن اللبن والبسكويت واكتفينا بالسلع الضرورية وأصبح الصرف على حسب الأولويات . السماسرة هُم السبب..!! إذاً وبعد أن استمعنا الى المكتوين بنيران الاسعار من المواطنين كان لزاماً علينا أن نتجوَّل بالاسواق لمعرفه غلاء الأسعار في معظم السلع الأساسية المتمثلة في (اللبن – اللحوم – زيوت الطعام – العيش – البصل) التي أصبحت تؤرق مضجع المواطن البسيط محدود الدخل لعلها تجد سبباً مقنعاً لترضي به المواطنين ميسوري الحال ففي السوق المركزي بالخرطوم بحري دلفنا الى مركز الكربكان للألبان للوقوف على أرتفاع اسعار الالبان فتحدث الينا يحيى عبد الرحمن قائلاً : من أهم أسباب أرتفاع الالبان دخول السماسرة بين التاجر واصحاب المزارع وايضا ارتفاع اسعار العلف حيث قفز جوال الأمباز العادي من (170 -500) جنيه وأضيف إلى ذلك مشكلة الترحيل من المزارع البعيده ، وأضاف بائع اللبن أحمد عوض قائلاً : يرجع ارتفاع سعر رطل اللبن لمبلغ خمسة جنيهات إلى ارتفاع سعر جوال العلف أصبح 195 جنيه وفدان العلف 350 جنيه كما وصل سعر الأمباز إلى مبلغ 500 جنيه وبحلول فصل الخريف غرقت المزارع بحيث لا يمكننا إطعام البقر الا خارج المزرعة (في الصقيعة) . انقطاع الطُرُق ويقول ممثل تجار شعبة السوق المركزي بحري وصاحب طاحونة البركة بابكر عبد القادر محمد: هناك ارتفاع مخيف في اسعار كافة المحاصيل ونحن كتجار نرجع ذلك إلى ندرة الانتاج في العام 2013م فقد كانت الكمية بسيطة والآن بحلول فصل الخريف وانقطاع معظم الطرق التي يتم من خلالها نقل المحاصيل للعاصمة زادت تعرفة الترحيل ووصلت إلى الضعف لصعوبة وصول الشحنات بالإضافة لوجود بعد المحاصيل التي جرفها السيل مثل العيش والبصل ولذا ارتفعت الأسعار بطريقة جنونية حيث قفز سعر دقيق طابت من (280 – 470) جنيه ودقيق القمح من (270 – 400) جنيه ودقيق الفيتريته من (220- 400) جنيه كما بلغ جوال دقيق الدخن من (300-700) جنيه اي بزيادة 400 جنيه مرة واحدة. (......) هذا أو الطوفان خلاصة ما يمكن قوله إن السوق قد شهد انفلاتاً في الاسعار غير مسبوق ومن هنا ينتصب سؤال كبير كيف يمكن السيطرة على تلكم الاسواق؟ وهل فقدت الدولة السيطرة عليه؟ الاجابة حسبما قال الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور عبدالله الرمادي ل(السوداني) إن أمر السوق قد أفلت تماماً من يد الحكومة فأصبح الإقتصاد كما ذكرنا مراراً – والحديث لدكتور الرمادي- يسير على غير هدُى ومن غير ضابط او رابط، عندما تفقد الجهات الموكل لها إدارة الإقتصاد الرؤيه تكون النتيجة التخبط في كل الاتجاهات وهنالك بعض التجار في السوق يتحيَّنون الفرص (ليصطادوا في الماء العكر) ويتكسبون من خلال رفع الاسعار من غير مبرر وينتج عن ذلك ارهاق المواطنين بالغلاء الفاحش. ويمضي دكتور عبد الله بقوله إن وزارة المالية عاجزة عن كبح جماح هذا التصاعد في الغلاء لغياب السياسات الاقتصادية الرشيدة وعليه فإن مسئولية وزارة المالية أن تضع سياسات كثيرة للحد من التضخم وزيادة الأسعار عن طريق الإجراءات الاقتصادية بفتح منافذ لتوفير السلع الضرورية وتوفيرها للجمهور بأسعار مناسبة حتى تقضي على جشع التجار، وفي اعتقادي انه آن الاوان للجهات المسئولة التدخل المباشر لتحديد الاسعار لأنَّ ذلك لا يتعارض مع حرية الاقتصاد إذ أنه لا يمكن أن تكون هنالك حرية مطلقة لان ذلك يفضي إلى فوضى ومن هنا يتوجب على الجهات الرسمية أن تمنع حدوث مثل هذه الفوضى في الاسعار. ومن المآخذ التي نلاحظها على الحكومة أن بعض الإجراءت الاقتصادية التي تقوم بها وزارة الماليه لسد عجز الميزانية بالصرف على أجهزة الحكم المترهلة التي تفرض من الإجراءات الاقتصادية ما يفاقم من مشكلة زيادة الاسعار. واختتم دكتور الرمادي بقوله: ارجو من الجهات المسئولة تصحيح تلك السياسات والعمل على تخفيض معدلات التضخم حيث وصل معدل التضخم في شهر يوليو الماضي على حسب إفادات الجهاز المركزي للإحصاء 47% وهذا يعتبر تضخما جامحا يتطلب من الجهات المسئولة التسرع باتخاذ إجراءت فورية كفيلة بالحد من ارتفاع التضخم؛ وإلا ازداد الحال سوءا لاتساع الفجوة ما بين تكاليف المعيشة ودخل السواد الأعظم من الشعب السوداني .