د. عبدالعظيم ميرغني الزمن.. بين الرومانسية والعلمية أحرص على مطالعة الريبورتاجات الصحفية التي تجرى مع النجوم، وتستهويني إجاباتهم على أسئلة معينة لا يخلو منها عادة أي روبرتاج: من هو شاعرك المفضل؟ فنانك المفضل؟ أغنيتك المفضلة؟ فريقك المفضل؟ الإجابات على هذه الأسئلة تكفي في تقديري لتحليل شخصية أي النجم ورسم صورة عامة لسمات شخصيته وميولها، وقد يكون لنتائج هذا التحليل تأثير كبير أحياناً في مستقبل نجومية هذا النجم. ولأجل ذلك يلجأ كثير من النجوم للتمويه المكشوف فينكرون وجود شاعر مفضل لديهم مثلاً أو أغنية مفضلة، أو يزعمون أنهم مكتفون بتشجيع اللعبة الحلوة ولا فريق مفضل لديهم سوى الفريق القومي الذي لا بواكي عليه كما نعلم جميعاً. آخر ربورتاج اطلعت عليه كان مع نجم شاعره المفضل إبراهيم الرشيد وفنانه الذري إبراهيم عوض وأغنيته هي رائعتهما الخالدة "يا زمن" وقف شوية وأهدي لي لحظات هنية؛ يا زمن إنت جاييي في النهاية، جاييي ما عارف البداية.. جاييي تجري، وإنت ما عارف الحكاية ... والإبراهيمان مشهود لهما بسعة الخيال والنزعة الفنية المتمردة، فلا عجب إذن أنهما أحسنا التعامل مع الزمن وأبدعا في وصف طباعه، فقد استرحماه واستعطفاه، ثم تحايلا عليه بألف حيلة في الخيال ولما لم يستجب لهما، حملا عليه حملة واحدة، فوصفاه "بالطائش" و"المتسرع" وغير المنضبط، لمجيئه في النهاية متأخراً وأنه هو "السبب". يعتبر مفهوم الزمن من أكثر المفاهيم التي حار فيها العلماء والفلاسفة، وتضاربت آراؤهم في تفسيره. فهو من منظور نظرية النسبية العامة التي تعنى بقوى الجاذبية والأجرام الكبيرة التي تتراوح في الحجم ما بين بضعة كيلومترات إلى مليون مليون مليون مليون (1 وعلى يمينه 24 صفراً) كيلومتراً هو حجم الكون المرئي، مفهومه مطابق لمفهوم شاعر "يا زمن" و "فنانها الذري" من حيث أنه بعدٌ مطلقٌ ومستقل قائماً بذاته غير مرتبط بغيره، يمكن أن يقال عليه "جايي يجري من البداية (الأزل) الى النهاية (الأبد). أما من منطلق نظرية فيزياء ميكانيكا الكم التي تعني بتفسير الظواهر على مستوى العوالم المتناهية في الصغر التي يتراوح حجمها من جزء واحد من مليون المليون من البوصة (كالذرة وما دون الذرة) فهو نسبي في مفهومه. وهذا المفهوم ضمنه آينشتين مثال توائمه الشهير الذي يتلخص في أن أحد توأمين غادر الأرض في سرعة كبيرة، وعاد ليجد توأمه قد تقدم عليه في السن. ومفهوم الزمن من وجهة نظر ميكانيكا الكم، هو "سبب" لكل الظواهر الشاذة؛ فهي تحدث فيه أو بسببه. وأنه يمكن أن "يجيء في النهاية متأخرا" كما قال الإبراهيمان. فهو لم يبرز للوجود ويصير على الحال الذي نعرفه عليه اليوم إلا مؤخرا، قبل حوالي 15 بليون عام فقط، عند ميلاد الكون في إنفجار أعظم. ويزعم علماء ميكانيكا الكم أنه إذا ما رجعنا في الزمن القهقرى إلى ما قبل الإنفجار الأعظم الذي تولد عنه الكون فسوف نجد للزمن وجوداً من نوع آخر؛ نجده بعداً مكانياً رابعاً يضاف لطول وعرض وارتفاع المكان. ونجد أن عالم ما قبل الإنفجار الأعظم عالماً غريب الشكل ذو أبعاد مكانية أربعة بدلاً عن عالمنا ذي الأبعاد المكانية الثلاث الذي نعهده اليوم. والقول بزمن قبل بداية الكون، قول لا معنى له بالطبع. والحديث عن زمان وقع قبل الخلق، إنما هو لغو فارغ المعنى واستحالة غير قابلة للتحقق كما أوضح ذلك الفيلسوف المسيحي اوقستين (430م) حين سئل "ماذا كان يفعل الله (جلَّ وعلا) قبل أن يخلق الكون؟ فاجاب بقوله: "إن الزمن صفة من صفات الكون الذي خلقه الله وإن الزمن لم يوجد قبل بداية الكون". وقد أفاض القديس الفيلسوف في الفارق بين زمان الناس وزمان الله، فقال "إن أزمان البشر تمضي حتى تدع مجالاً لغيرها، أما زمان الله أو أزليته اللانهائية فهي لا تمضى على الاطلاق، لأنها لا تعرف غداً ولا أمساً، فهي أبدية في أزليتها". خلاصة القول، إن الإبراهيمين (شاعرنا وفناننا) نجحا في تعاملهما مع الزمن من ناحية دمج مفاهيم نظريتي النسبية العامة وميكانيكا الكم، وهو الأمر الذي فشل فيه كافة علماء الفيزياء، منذ بداية القرن العشرين وحتى تاريخه، حيث فشلوا جميعاً في إيجاد نظرية جديدة توحد بين مفاهيم هاتين النظريتين لتمكنهما من تفسير أسرار ظواهر الأشياء الصغيرة والمتناهية في الصغر وأسرار ظواهر الأشياء الكبيرة والمتناهية في الكبر على حد السواء. إن الزمن قرين الحركة. فإذا توقفت الحركة توقف الزمن. وقد اعتمدت ولا زالت تعتمد ظاهرة الحركة في قياس الزمن باستخدام الساعة. وحدث في أحد افلام الخيال العلمي أن حاول حاسب إليكتروني في سياق بحثه عن طبيعة الزمن دراسة فترة "لازمنية" محددة، فعمد إلى إيقاف الزمن ولم يخطر بباله أبداً أن إيقاف الزمن يفضي بالضرورة إلى إيقاف الحركه وبالتالي توقفه هو. وهذا ما حاول الإبراهيمان تفاديه حين ناشدا الزمن ب"أن يتوقَّف شوية" ولو استجاب الزمن لرجائهما وتوقف لتوقف معه "عداد" اللحظات ولتجمد العالم بأسره، ولانتهت "الحكاية" من أصلها. ولكن الإبراهيميين أحسنا حين سارعا بمطالبته بإهدائهما لحظات هنية وأن يجود عليهم بي دقايق أثناء توقفه قبل ما يعدي ويمر مرة أخرى. وهذا قمة الإبداع الشعري في نظري لتوافقه مع أحدث المفاهيم العلمية للزمن، فمن الذي زعم أن أعذب الشعر أكذبه!. خاتمة القول لقد كان تقديري للنجم صاحب الربورتاج موضوع هذا المقال عالياً، فهو كما يبدو نجم يرجى منه الكثير، فهو نجم واسع الخيال ومواكب علمياً وأنه هو أيضاً يشجع الفريق القومي واللعبة الحلوة.