عندما ينزوي الرمز بعض آثار الحزن ينتفي أثرها بمجرد انتهاء ظرفها الزماني والمكاني، تمر كالطيف ولا تخّلد شيئا في الذاكرة والوجدان ... وبالمقابل فإن أثر بعض الأحزان يبقى على امتداد الحزن الذي ( يتاور) القلب كلَّما لاحت الفجوة التي خلقها الفقد حيث يلتفت الناس ولا يجدون من يكمل حلقات التاريخ بالتوثيق الناطق وشهادة البيان والعيان التى لا تكذب، عندما يتحول الفقد الى رمز مقدس وجزء أصيل في تكوين الأشياء وتاريخ المدن، ذاك هو إحساسنا في رحيل الرجل القامة ( أمين محمد عثمان ) فسيبقى الحزن ما بقى (حى عثمان ) الذي هو بعض أفضال والده، وسيبقى الحزن ما دعا داعي الانتماء وعشق الأوطان، فالشيخ محمد عثمان عبد القادر لم يكن ينتمي لوادي حلفا فهو مهاجر قديم إليها من دنقلا وطاب له المقام فيها حتى أصبح سر تجارها وشيخ مشايخها وأعيانها الذين لا تخطئهم العين، وفى ذات الدرب سار ابنه أمين صاحب البيت المفتوح لكل الناس، يعرف كرمه وأفضاله كل من حظي بزيارته في بيته الكائن بحي التوفيقية، فكاذب من يظن أن أمين كان أباً ( لأكرم ) وبعض كريماته، أمين وهو اسم على مسمى كان حقا مشاعا لكل أهلنا بحلفا الجديدة ووادي حلفا، وكاذب كذلك من يظن أن أمين عاش لأسرته الصغيرة بل امتد حبه لكل أهلنا بحلفا وليس أبلغ من ذلك في هذا المقام تصديه لكل قضايا حلفا وتسلمه الراية عن والده عثمان عبد القادر الذي تدرج في ذلك الزمان حتى أصبح عضو المجلس الاستشاري لشمال السودان في أيام الاستعمار، والراحل أمين رحمه الله ورغم إنتمائه لأسرة ثرية تمتلك الأطيان والمال حتى أن أهلنا بحلفا كانوا يتغنون ويخلدون ثراء والده بأغنية تحفظها الأجيال القديمة في حلفا تقول بعض أبياتها ( الله قادر الخلق عثمان عبد القادر واداهو المال بالجرادل ) وفى الغالب العام فان من ينتمون لمثل هذه الأسر يشغلهم الخاص عن العام ولا علاقة لهم بقضايا وهموم المجتمع، إلا أن أمين رحمه الله جاء متفردا في هذا الجانب حيث كان شغله الشاغل هموم أهلنا بحلفا بالذات فيما يلي الخدمات من تعليم وصحة ومياه كان مهموما بكل ذلك كأحد الأعيان والرموز، فكم من مرة يترك شؤونه الخاصة ويسافر لرئاسة الولاية بكسلا وللمركز لقضاء أشياء عامة تخص الناس والمنطقة، ولم ينسَ له الناس ذلك فقابلوه بكل التقدير والاحترام وحملوه تقديراً لعطائه رئيسا لمجلس حلفا الجديدة، ولم يكن لرأي أن يجد قوته وحضوره وحيويته إن تخطى ذلك الرمز الكبير أمين محمد عثمان، ما من شخص ينكر علاقات امين الواسعة التى سخرها لخدمة أهله بحلفا وكان فوق هذا وذاك شجاعاً في قول الحق والتعبير عن قناعاته أمام الملأ لا يخشى لومة لائم ولا لما ستؤول اليه الأمور، رحم الله فقيدنا أمين بقدر حبه لحلفا وبقدر عطائه من اجلها ومن أجل أهلها الطيبين، ونؤكد لأسرته أننا على الدرب سائرون نعض بالنواجز على كل القيم التي أرساها فقيدنا العزيز ... ونلفت نظر محليتنا بضرورة أن يخلد اسم الرجل فهذا أقل ما نقدمه لرجل في قامة الفقيد أمين محمد عثمان (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). محمد على عبد الجابر